لقاءات

رينو تيكسييه: قصة اثنين من أساتذة صناعة الساعات

في هذه السلسلة من المقالات، التي تُنشر شهرياً، تركّز داي آند نايت على الأفراد أو العلامات الذين كان لهم تأثير إيجابي في عالم صناعة الساعات الراقية… في هذا العدد نركّز على الوافد الجديد إلى عالم صناعة الساعات: رينو تيكسييه، العلامة التي أثارت جدلاً حتى قبل الإعلان عنها رسمياً؛ ذلك لأنها تمثل تحالفاً إبداعياً بين جيلين من صانعي الساعات الاستثنائيين: دومينيك رينو؛ الشخصية الرائدة في صناعة الساعات المعاصرة، وجوليان تيكسييه؛ الموهبة الشابة غير العادية.

دومينيك رينو: أستاذ صناعة الساعات الأكبر سناً
وُلد دومينيك رينو في عائلة من صانعي الساعات تنحدر من أصول رفيعة، فكان يعلم دائماً أن حياته ستكون مكرّسة لصناعة الساعات. بعد أن أنهى تعليمه الابتدائي، التحق بالمدرسة الوطنية لصناعة الساعات في بيزانسون في فرنسا، حيث حصل على رخصته كصانع للساعات في العام 1976. ومن ثمّ عمل مع العديد من صانعي الساعات الصغار حتى العام 1979، عندما انتقلت إلى سويسرا وتقدمت للعمل في أوديمار بيغيه. وأثناء فترة عملي في أوديمار بيغيه التقيت جوليو بابي، حيث كان كلانا يعمل على الساعات ذات التعقيدات، وطوّرنا علاقة ممتازة. بعد ذلك بوقت قصير، قررنا نحن الاثنان الاستقالة من العمل في الشركة، لتأسيس شركتنا الخاصة تحت اسم رينو إي بابي، وذلك في العام 1986، يقول دومينيك.

رينو إي بابي
عندما بدأ صانعا الساعات الشابان العلامة التي تحمل اسميهما؛ كانا يحلمان بامتلاك شركة كبيرة يوماً ما. في الواقع بدآ عملهما كشركة صغيرة، لكن نموهما كان هائلاً، حيث حققا نمواً متسارعاً؛ يقول دومينيك: توجهت العلامات للعمل معنا لأننا كنا متفردين بعملنا في ذلك الوقت؛ حيث كنا نقوم بابتكار تعقيدات ساعاتية. فعلامات الساعات في ذلك الوقت، لم تكن تُصنّع أي تعقيدات لساعاتها؛ ولذا كنا ناجحين للغاية. ومع أننا لم نشعر بثمرة نجاحنا على الفور، إلا أنه في المقابل كان نمونا سريعاً جداً بسبب تميزنا وتفردنا؛ إذ كنا أول شركة تقوم بتصنيع التعقيدات الساعاتية لصالح العلامات الأخرى. وهكذا كانت البداية.

كانت شركة رينو إي بابي في طليعة شركات صناعة الساعات الراقية، وشاركت في اختراع وتطوير وابتكار عدد من أكثر الساعات تعقيداً في صناعة الساعات. وقد ضمت محفظة الشركة من العملاء أسماء بارزة من علامات صناعة الساعات، إلا أن رينو كان يشعر بالضيق. في العام 1992، استحوذت أوديمار بيغيه على حصة كبيرة في شركة رينو إي بابي، وبعد فترة قصيرة من ذلك غادر رينو الشركة. يقول رينو موضحاً أسباب خيبة أمله وإحباطه: قررت الاستقالة لأسباب خاصة، ولكن أيضاً لأن جميع العلامات كانت تطلب من رينو إي بابي تصنيع وابتكار تعقيدات ساعاتية، ولكن فقط التعقيدات التقليدية، ولا شيء يتجاوز الحدود. قررت ترك شركة رينو إي بابي وأخذ استراحة من صناعة الساعات.

أمضى رينو بضع سنوات في جنوب فرنسا، حيث كان من المفترض أنه في فترة استرحة، ولكنه واصل التفكير في ابتكارات جديدة في صناعة الساعات؛ شيء مختلف تماماً عما كانت تطلبه العلامات. ثم أدركت بعد ذلك أنني أردت ابتكار شيء شديد التميز لإرضاء نفسي. وقد دفعه هذا إلى العودة إلى صناعة الساعات؛ إذ أصبح الآن مستعداً لكسر جميع القواعد لابتكار شيء جديد تماماً.

DR01 Twelve First
كانت ساعة DR01 Twelve First بمثابة إعلان عودة رينو إلى الصناعة؛ وهو إعلان أحدث ضجة كبيرة في عالم صناعة الساعات الراقية. يقول: كان الهدف الأساسي كسر القواعد، وتغيير طريقة النظر إلى آلية الحركة، وللتعبير عن قدراتي من خلال ساعة عبارة عن تحفة فنية. كانت ساعة DR01 Twelve First منتجاً استثنائياً؛ حيث ضمت داخلها عنصر تنظيم متذبذباً جديداً. كل شيء في تلك الساعة كان غير تقليدي وجديداً تماماً؛ حتى العلبة؛ حيث شكلت تلك الساعة محاولة رينو لفتح نافذة للتفكير بطريقة مختلفة.

جوليان تيكسييه – الشاب المخضرم!
على النقيض من رينو، ليس في عائلة جوليان تيكسييه من يعمل في صناعة الساعات. لكن افتتانه بصناعة الساعات بدأ عندما كان صبياً صغيراً يعيش فترة صباه في بوردو في جنوب غرب فرنسا. كان الصبي الصغير، يحدق فوق طاولة الطعام ناظراً إلى معصم أحد الضيوف الجالسين حول الطاولة، إذ كان مأخوذاً بالقلب النابض لإحدى الساعات الميكانيكية بعد أن لمحه من خلال ظهر العلبة المفتوح. ما شعر به تيكسييه الصغير يعبر عنه جوليان بقوله: كنت قد اكتشفت للتو جمال الساعة الميكانيكية، الكامن في حركة الساعة، وشعرت وكأنها قطعة صغيرة من الحياة، وفي تلك اللحظة قررت أنني أريد ابتكار هذا النوع من الأشياء. بعد سنوات عديدة، بدأت الدراسة في مدرسة صناعة الساعات في بوردو، حيث قضيت هناك أول أربع سنوات، ثم انتقلت إلى مورتو حيث درست لمدة عامين آخرين، وهكذا تعلمت صناعة الساعات لمدة ست سنوات، وخلال تلك السنوات الست اكتشفت نهجين متميزين في صناعة الساعات؛ أولهما الذي يبدأ من المفهوم الصناعي ليصل إلى صُنع الساعات الراقية، والآخر صناعة الساعات المصممة وفق الطلب، والذي أذهلني تماماً.

سيباستيان روسو
بعد الانتهاء من دراسته، ينسب تيكسييه الفضل في القدر الهائل من مهارات صناعة الساعات التي اكتسبها؛ إلى الأماكن التي عمل فيها. أحد معلميه الأوائل كان سيباستيان روسو، والذي عمل معه على مشروع خاص لابتكار آلية متحركة لصالح أحد العملاء. ويصف تيكسييه تلك الفترة بأنها: الجزء الثاني من فترة تدريبي، لأن العمل على ابتكار آلية متحركة يُعدّ فناً يوشك على الاندثار، وليس هناك كثيرون يعرفون حتى كيفية القيام بذلك.

لوران فيرييه
كانت أول وظيفة رسمية حصل عليها تيكسييه مع لوران فيرييه، يقول: تعلمت الكثير جداً داخل تلك الورشة، كما تعلمت أساسيات صناعة الساعات؛ ما هي حقيقتها، وكيف أنك بحاجة إلى أن تشغف بها؛ حيث إن هذا هو الطريق لتكون صانع ساعات حقيقياً. تعلمت هناك أيضاً جميع الجوانب المتعلقة بصناعة الساعات: الزخرفة، وتجميع الحركة، والترصيع، وتركيب العلبة، وغيرها الكثير. حيث عملت تقريباً في جميع هذه التخصصات، وتعلمت كل جانب منها. لقد كان ذلك بالنسبة إليّ نوعاً من الإلهام، وهذه هي الطريقة التي أريد أن أدير بها فريقاً لابتكار شيء ما. وأعتقد أنها كانت تجربة جيدة جداً بالنسبة إليّ.

لوكا سوبرانا
بعد ذلك انتقلت إلى ورشة صغيرة، حيث عملت مع عدد من المجانين بصناعة الساعات على نماذج تجريبية أكثر جنوناً! هكذا يصف تيكسييه الفترة التي عملها مع صانع الساعات القدير لوكا سوبرانا، والذي عمل معه للمساعدة في ابتكار ساعة شديدة الخصوصية والتميز؛ ساعة شديدة التعقيد. بالنسبة إلى تيكسييه، الذي كان يظن أنه قد تعلم كل شيء عن صناعة الساعات في ورشة لوران فيرييه، كانت ورشة سوبرانا مثل صفعة على وجهي قامت بتنبيهي إلى خطئي، وهكذا تعلمت مرة أخرى الكثير من الأشياء الجديدة. كنا نقوم بصنع المكونات، ونُصنّع كل شيء داخل تلك الورشة في الزاوية من دون استخدام أدوات حديثة، وإنما باستخدام تقنيات كانت مذهلة وجديدة بالنسبة إليّ. وفي خلال ستة أشهر، تعلمت هناك أكثر مما تعلمته طوال سنوات عملي في صناعة الساعات؛ لأننا في تلك الورشة كنا نقوم بصُنع كل شيء يدوياً، باستخدام معدات المدرسة القديمة في الصناعة.

حينذاك أدرك تيكسييه أنه لم أمتلك مطلقاً مجموعة المهارات والمستويات اللازمة لابتكار ساعة من الألف إلى الياء؛ لذا ضغطت على نفسي لتعلم المزيد. ومن ثمّ أنشأت ورشتي في ڨالي دو جو، حيث واصلت التعلم وصُنع الساعات.

لقاء العقول
قبل أن يلتقي تيكسييه برينو بفترة طويلة، كان قد سمع عنه من أحد معلميه؛ يقول: الجميع يعرف دومينيك، عندما بدأت دوراتي التدريبية في صناعة الساعات، قال لي أحد معلميّ إنه يجب عليك يوماً ما أن تحاول العمل في شركة رينو إي بابي. قبل بضعة أسابيع، أرسلت إلى ذلك المعلم رسالة أقول فيها: أنا لا أعمل في شركة رينو إي بابي، بل أعمل الآن مع دومينيك شخصياً! عندما التقيت دومينيك للمرة الأولى، حدث بيننا تواصل على الفور، وبقينا على اتصال مثل الأصدقاء؛ نتبادل الأخبار، وأحياناً يهاتف أحدنا الآخر، أو يقوم بزيارة ورشة الآخر.

تيمبوس فوجيت
في وقت ما بعد أن أنشأ تيكسييه ورشته، تواصل معه رينو بشأن مشروع خاص؛ عبارة عن تقويم علماني يتميز بمؤشر لاحتياطي طاقة الحياة، هو مشروع تيمبوس فوجيت Tempus Fugit (عبارة لاتينية تعني: الوقت يمضي). يقول: عندما شرح لي الدكتور بينوا دوبوي ودومينيك هذا المشروع، قالا لي: نريد ابتكار ساعة خاصة باستخدام نهج خاص. الأمر مثل لوحة رسم بيضاء، ويمكنك فعل ما تريد للتعبير عن نفسك، ولدينا شرط واحد فقط: نحتاج إلى وجود عداد يقوم بالعد التنازلي لسنوات الحياة المتوقعة لمرتدي الساعة! وهذه هي خصوصية ساعة تيمبوس فوجيت؛ حيث تتميز بعداد يقوم بالعد التنازلي للعمر المتوقع لصاحب الساعة.

كان ذلك هو الهدف من ابتكار هذه الساعة، وهو أمر شديد التميز بالفعل. يبدو الأمر فظيعاً عندما نحاول شرحه لأول مرة، إلا أنه ليس كذلك. ففي الواقع ليس الهدف أن نخبرك متى ستموت، ولكن أن نخبرك بأن عليك أن تعيش حياتك بالكامل. تتضمن الساعة آلية معقدة للغاية، تم التقدم بطلب للحصول على براءة اختراع عنها، وهي مستندة في عملها إلى علامات وتسلسلات الحمض النووي لصاحب الساعة أو مرتديها. وفي شرحه لعمل عداد احتياطي طاقة الحياة الذي تتميز به ساعة تيمبوس فوجيت، يشبّهه  تيكسييه بالمكيال؛ يقول: في هذه الساعة، يوجد نوع من المقاييس أو المكاييل؛ وهذا المكيال يتحرك وحدة واحدة في المرة، وذلك كل عام، وهو مبرمج ليكتمل الكيل بعد 100 عام. وستتم إعادة برمجته للمالك التالي عند اقتنائه الساعة.

تقويم علماني دائم بالتعاون مع فورلان ماري
المشروع التالي للثنائي كان ساعة التقويم الدائم Furlan Marri Secular Perpetual Calendar، والتي ابتكراها بالتعاون مع أندريا فورلان من شركة فورلان ماري للمشاركة في مزاد أونلي واتش. ويشدد تيكسييه على أنها في الواقع قصة صداقة وليست تعاوناً يتعلق بالتجارة والعمل؛ يقول: إنها قصة حقيقية عن الصداقة؛ لأن دومينيك عرّفني على أندريا، وأصبحنا سريعاً صديقين مقربين. ثم بعد ذلك، اقترح أندريا أنه قد يكون من الجيد أن نقوم بتصميم ساعة معاً للمشاركة في مزاد أونلي واتش، فقلنا: حسناً، فلنفعل ذلك!

قرر الثلاثة ابتكار التقويم العلماني الأمثل، ووضعه داخل ساعة للمشاركة في مشروع أونلي واتش. كان علينا القيام بذلك في وقت عمل قصير جداً؛ لأن المشروع بالكامل تم تنفيذه في تسعة أشهر؛ أي الفكرة، وتنفيذ التصميم لكل مكوّن من المكونات، والبنية، والعلبة، والميناء، والعقارب، وتجميع أجزاء الساعة.

نشأة علامة رينو تيكسييه
كانت تجربة العمل مع رينو على مثل تلك المشروعات الخاصة، هي التي جعلت الاثنين يدركان إلى أي مدى ينسجمان جيداً في العمل معاً. يوضح تيكسييه ذلك بالقول: تجربة العمل على مثل تلك المشروعات الخاصة، بابتكار ساعة بإصدار فريد في كل مرة، جعلتنا ندرك أننا نستطيع العمل معاً بشكل طبيعي، من دون الكثير من الأسئلة أو النقاشات. وبعد تلك التجارب، كان من الطبيعي بالنسبة إلينا أن نقرر العمل معاً. فاتفقنا وسار كل شيء بسلاسة كبيرة.

تأسست شركة رينو تيكسييه بدعم الأصدقاء وأصحاب الأمنيات الطيبة، الذين يؤمنون بالسحر المشترك الذي يبتكره الاثنان. ويساهم في الشركة خمسة مساهمين إجمالاً؛ هم – إضافة إلى رينو وتيكسييه – ثلاثة من الأصدقاء الذين استثمروا أموالهم في الشركة. ولا يبحث هؤلاء المستثمرون عن أرباح مالية، بل يسعدون بدعم رينو وتيكسييه للعمل معاً، وتحقيق أحلامهم في صناعة الساعات. أما توظيف صانعي ساعات مهرة، وهو ما قد يكون مهمة صعبة، فهو لا يمثل مشكلة بالنسبة إلى تيكسييه؛ الذي يقول: أعثر على صانعي الساعات المطلوبين من خلال طلابي. فعلى سبيل المثال، يوجد حالياً في ورشتي، طالب شاب أكمل فترة تدريبه، وقريباً سيكون موظف الشركة الثاني. وهذه الطريقة ناجحة؛ لأننا نعرف وهم يعرفون طريقتنا في العمل، وأي نوعية من الناس نحن، وأنواع الحوافز التي توجد على كلا الجانبين.

ساعة Monday
أول منتج تطرحه الشركة كان ساعة Monday مونداي، والتي تضم كاليبر يتمحور حول دوّار صغريّ، أعيد تصميمه لتعظيم كفاءة تعبئة الحركة بالطاقة. ويوضح رينو كيف كان يفكر منذ بضع سنوات لتحسين الدوّار المجهري – الصغريّ؛ حيث قادته أبحاثه إلى مساحة مهيأة للابتكار: مركز الدوّار. ففي حين – عادة – ينشط محيط الدوّار، يظل مركزه غير مستغل إلى حد كبير، لكن هنا في هذه الساعة، قرر رينو أن ينصب آلية مساعدة، مصممة لمهمة واضحة محددة: تحسين استخدام الطاقة التي يولّدها الدوّار، بالتقاط حتى أدنى جول (وحدة قياس الطاقة) لتشغيل الساعة. وتماشياً مع نهجه، تصوّر رينو المشكلة وحلها بوضوح في ذهنه، ما أدى به إلى تصور مروحة مركزية للدوّار المجهري. وقد أطلق على هذا المكوّن الديناميكي اسماً مناسباً؛ حيث أسماه الراقص؛ وهو في حقيقته آلية يُشغّلها نابض يقوم حرفياً بـالرقص في قلب حركة الساعة.

يتجاوز مشروع ساعة Monday مجرد الاختراع، حيث تم صُنع كاليبر جديد تماماً حول الدوّار المجهري الراقص، ليس فقط لتمييز هذه الآلية المبتكرة، وإنما أيضاً لتوضيح أهميتها.

تتوافر إبداعات رينو تيكسييه في المنطقة لدى پرپتويل على الموقع الإلكتروني:  https://perpetuel.com/

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى