لقاءات

كاري فوتيلانِن: 10 جوائز GPHG.. وفي انتظار المزيد

في العام 2023، فازت ساعة فوتيلانِن ورلد تايمر من إبداع كاري فوتيلانِن في مسابقة جائزة جنيف الكبرى لصناعة الساعات الراقية، والمعروفة اختصاراً باسم GPHG، بـجائزة أفضل ساعة رجالية معقدة. لم يكن الأمر مفاجئاً لأي شخص له علاقة بعالم صناعة الساعات، حيث كانت تلك هي جائزة GPHG العاشرة التي يفوز بها صانع الساعات البارع هذا. في هذه السلسلة المستمرة من المقالات عن كبار صانعي الساعات، نسلط الضوء في مقال هذا الشهر على كاري فوتيلانِن – صانع الساعات الفنلندي، والذي يُعتبر أحد أعظم صانعي الساعات في صناعة الساعات المعاصرة.

الاتصال الأول

بالنسبة إلى شخص يُعد رمزاً في عالم صناعة الساعات الفاخرة، فإن كاري فوتيلانِن – وعلى غير المتوقع – ليست لديه خلفية عائلية في صناعة الساعات. وُلد كاري في العام 1962 في كيمي، وهي بلدة صناعية وميناء صغير في لابلاند. ولطالما كانت الساعات تثير شغف كاري في صغره، يقول: أحب العمل بيديّ، والقيام بجميع أنواع الأعمال الفنية مثل الرسم وأعمال الخشب، وما إلى ذلك. وعندما كنت صبياً صغيراً، كان لوالدي صديق يعمل صانع ساعات؛ كان لديه متجر ساعات عبر الشارع، وكان ذلك أول اتصال لي بصناعة الساعات. رأيت مناضد العمل لديه وأدواته، وكل تلك الحركات التي تم تفكيكها، ووجدت ذلك أمراً رائعاً ومثيراً للغاية.

مرت بضع سنوات، وحان الوقت ليتخذ الشاب كاري قراراً بشأن مستقبله. يقول: كان ذلك بعد المدرسة الثانوية، حيث اضُطررت إلى البدء في التفكير في ما أريد فعله حقاً، وفي المجال الذي أرغب في العمل فيه. وكانت صناعة الساعات هي التي تخطر ببالي دائماً، لأنني كنت أريد مهنة يمكنني العمل فيها بيديّ. فأنا لم أُخلق للعمل المكتبي. أخبره أحد الأصدقاء عن Kelloseppäkoulu – المدرسة الفنلندية لصناعة الساعات في إسبو، هلسنكي. سافر كاري إلى هناك حيث عثر على فكرته عن الجنة، يقول: كانت تلك هي المرة الأولى في حياتي التي أقول فيها: رائع، هذا هو ما أريده. ومنذ ذلك الحين، اختفى ترددي في ما يخص العمل. أصبحت لدي رؤية لحياتي، وأصبحت هي شغفي منذ ذلك الحين.

توسيع الآفاق

تخرج كاري في مدرسة Kelloseppäkoulu في العام 1986، وعثر على أول وظيفة له في صناعة الساعات في متجر للبيع بالتجزئة في لابلاند. كان المكان في أقصى الشمال، واعتقدت أن الأمر رائع، لكنني لم أرغب في القيام بذلك لبقية حياتي. قررت تعلم المزيد عن صناعة الساعات، ووجدت مدرسة في سويسرا تُسمى WOSTEP؛ البرنامج التدريبي والتعليمي لصانعي الساعات في سويسرا. وانضممت إلى المدرسة في العام 1988.

لكن تلك كانت مجرد الخطوة الأولى، حيث كان هذا البرنامج في الأساس دورة تنشيطية للطلاب الدوليين. كان هناك طلاب من جميع أنحاء العالم – كان هناك 12 صانع ساعات في الصف. وعلمت أن هناك دورة أخرى متخصصة في التعقيدات – دورة متقدمة – فتقدمت بطلب للالتحاق بها.

الشركة الأولى

كان الفارق الزمني بين هاتين الدورتين عام كامل، يقول: لذا، عدت إلى فنلندا بعد تلك الدورة التنشيطية، وأنشأت شركتي الخاصة لأول مرة. كان ذلك في العام 1988، وعملت كصانع ساعات مستقل طوال ذلك العام. وقد أسست شركتي لأنني أردت كسب أكبر قدر ممكن المال، في أسرع وقت ممكن، حتى أتمكن من دفع رسوم الدورة الأخرى، وشراء الأدوات والكتب، وتغطية النفقات الأخرى.

بالنسبة إلى كاري، لم يكن تأسيس شركة في فنلندا في ذلك الوقت بالأمر الكبير. يقول: في فنلندا من السهل تأسيس شركة، لكن كان عليّ بعد ذلك أن أجد الزبائن، وقد كنت مشغولاً جداً خلال ذلك العام. في نهاية العام، أغلقت شركتي وعدت إلى سويسرا لحضور تلك الدورة في الساعات المعقدة في العام 1989. ويصفها كاري بأنها كانت فترة تعلم مهمة؛ حيث يقول: لقد تعلمت الكثير، وعملت على الكثير من عمليات ترميم الساعات، ومن ثم أتيحت لي بعض الفرص لمستقبلي. وبعد تلك الدورة، انتهى بي الأمر بالعمل في شركة بارمجياني فلورييه لمدة تسع سنوات.

بارمجياني فلورييه

يستعيد كاري ذكريات عمله مع هذه العلامة، فيوضح أنها كانت شركة صغيرة عندما بدأت العمل معها، حيث كنت الموظف الـ17 الذي ينضم إليها، وعملت لفترة على ترميم الساعات، ولكنني عملت أيضاً على قطع فريدة ومعقدة. في البداية كنت أعمل في ورشة صغيرة مع رجل أكبر سناً كان يبلغ من العمر 70 عاماً، وكان اسمه تشارلز ميلان. ويعتبر كاري ميلان بمثابة مرشد له، كان له تأثير في حياته، يقول: قال لي: يجب أن تصنع ساعة. وشجعني على القيام بذلك. خلال فترة دراستي في WOSTEP، كنت قد قابلت بالفعل بعض هواة الجمع، ولذلك في نهاية يوم العمل، في المساء، كنت أعمل على صنع ساعتي الخاصة. وأنهيت ساعتي الأولى في العام 1994، وكانت ساعة جيب توربيون مع مؤشر لاحتياطي الطاقة. وقد قمت بتصنيع الحركة والعلبة والميناء بنفسي.

يتذكر كاري أن تلك الفترة كانت فترة مزدحمة بالعمل، وكأنه كان يعيش حياة مزدوجة. يقول: خلال النهار، كنت أعمل في بارمجياني في الغالب على ترميم الساعات ذات التعقيدات الراقية، وفي المساء والليل كنت أعمل لنفسي. في السنوات الأولى في بارمجياني عمل كاري غالباً في عمليات الترميم؛ في البداية، عملت على عدد من عمليات الترميم، ثم في العام 1996 تأسست علامة بارمجياني فلورييه. حتى ذلك الحين، كانت هناك عمليات ترميم مختلفة أو حتى صنع ساعات جديدة لصالح بريغيه وغيرها. فقد عملت أيضاً على ساعات لعلامة فاشرون كونستانتين، لكن بعد بدء انطلاق علامة بارمجياني، كان كل عملي مخصصاً لصالح هذه العلامة، وكانت الشركة تنمو بسرعة، لكنني تعلمت الكثير.

المعلم

يؤمن كاري بشدة بأهمية نقل المعرفة والمهارات، وهذا ما دفعه إلى ترك العمل في بارمجياني في العام 1999، والعودة إلى المدرسة، ولكن كمعلم هذه المرة. يقول: كان من المفترض أن أعمل نصف اليوم فقط في المدرسة، وأخصص نصف اليوم الآخر لنفسي. لكن في النهاية، تبين أنني بدلاً من قضاء 50% من يومي هناك، كنت أقضي 150% من اليوم هناك، ولم يعد لديّ وقت لنفسي. كان أولادي صغاراً جداً في ذلك الوقت، وكنت أدير ورشتي الخاصة من المنزل. واستمر ذلك الأمر لمدة ثلاث سنوات، ثم قررت الاستقالة من وظيفتي وتأسيس شركتي الخاصة.

المؤسس والمبدع

يقول: استأجرت مكاناً في قريتي وخصصته لورشتي، ونقلت جميع أدواتي إلى هناك، وبدأت العمل من ذلك المكان. كنت أستثمر كل المال الذي كسبته من عملي الشخصي في المساء، خلال فترة عملي في  بارمجياني، في تلك الورشة؛ في شراء الأدوات وطاولات العمل، وما إلى ذلك. كان من السهل تأسيس شركتي الخاصة؛ لأنني كنت أمتلك جميع الأدوات والتجهيزات اللازمة. كانت تلك خطوة كبيرة بالفعل، لأن كاري في ذلك الوقت كان لديه أطفال صغار والكثير من المسؤوليات المالية. لكنه كان يعمل بجد في وظيفته النهارية لدرجة أنه كان يشعر بالتعب الشديد. كما كان حكيماً بما يكفي ليدرك، كما قال ڨيرجيل، أن الوقت الذي يمر لا يعود أبداً. وقد تعزز هذا الوعي بشكل أكبر عندما توفي شقيقه بشكل غير متوقع، فكان ذلك بمثابة جرس إنذار.

أدركت أنه إذا لم أفعل الآن ما أريد فعه في حياتي، فقد لا أتمكن من فعله أبداً. في ذلك الوقت كانت زوجته تعمل في غرفة العمليات في أحد المستشفيات، ما يعني أنه كان لديهما بعض الدخل الثابت، لكن مع ذلك كانت الحياة صعبة إلى حد ما في السنوات الأولى. يقول: عندما بدأت، كان لدي بعض المبادئ في ذهني؛ أحدها أنني سأستمر في العمل مستقلاً – وكان الاستقلال المالي يعني عدم وجود مستثمرين أو شركاء معي، وإنما العمل بمفردي. والمبدأ الثاني هو أنني أردت الاستمتاع بحرية الإبداع، حيث كنت أرغب في القيام بالأشياء لنفسي ولإرضائي. كنت أفكر في كيفية الالتزام بهذين المبدأين، لذلك بدأت العمل لصالح شركات أخرى في البداية. فقمت بالكثير من العمل على النماذج الأولية التجريبية، وتجميع الحركات، وأعمال الزخرفة، ومثل ذلك النوع من الأعمال لصالح شركات أخرى، مما وفر لي تدفقاً نقدياً يومياً لتشغيل عملي الخاص. كذلك لم يكن هناك أي ضغوط عليّ لبيع ساعاتي، لذا كنت بشكل أساسي أقوم بابتكار الساعات التي ترضيني، من دون أن أقلق ما إذا كانت ستُباع أو لا. وبفضل ذلك التوازن في الأمور، تمتعت في عملي بحرية كبيرة.

لمدة تقارب 10 سنوات، كنا نعمل لصالح شركات أخرى، وهذا ساعدني في التخلص من الضغوط المالية حتى أتمكن من إنهاء صُنع ساعاتي وبيعها. في البداية، كنت أعمل لصالح شركة غروبل فورسي، حيث قمت بالكثير من العمل على تجميع حركات الشركة وما إلى ذلك.

كانت نقطة التحول بالنسبة إلى علامة كاري فوتيلانِن، في العام 2006. بحلول ذلك الوقت، كان كاري قد قام بصُنع عدد لا بأس به من الساعات بناء على طلبات من الزبائن، لكن لم تكن لديه آلية حركة أساسية خاصة به. يقول: باستخدام حركة Peseux 260 ébauche قدمت ساعة Observatoire في العام 2006، وقد حققت نجاحاً كبيراً. كان وكلاء تجزئة وأفراد هم من قاموا بالاستفسار عنها، وكان ذلك رائعاً. ولكن عندما عدت إلى فنلندا بعد حضور معرض بازل للساعات، بدأت التفكير في أنني لا أستطيع القيام بكل ذلك العمل. لذا، عندما تلقيت بالفعل طلبات من متاجر التجزئة، كان ردي: عذراً، لا أستطيع تلبية هذه الطلبات. قبلت الطلبات الخاصة فقط، ولم أقبل أياً من طلبات متاجر التجزئة. وبسبب هذا كان إنتاجي مستقراً، فقد كنا نصنّع 25 ساعة، وفي ما بعد، 50 ساعة لعدة سنوات، والآن فإن إنتاجنا بين 50 و75 ساعة سنوياً.

الإبداعات التعاونية

على الرغم من أن علامة كاري فوتيلانِن تحظى بشعبية كبيرة بين عشاق الساعات، كما أنه لا يعاني من نقص في العملاء الذين يطلبون ساعاته، إلا أن كاري يحب التعاون مع العلامات وصانعي الساعات الآخرين. ودائماً ما تكون مثل هذه المشروعات التعاونية ناجحة للغاية. ويعزو كاري هذا النجاح إلى حقيقة أن مشروعاته التعاونية لا تمليها دوافع الربح أو المكاسب المالية. يقول: هذه التعاونات في المقام الأول بسبب الأشخاص، فهي ليست مبنية على المال. وعلي الاعتراف بأن المال لا يحركني، فأنا لا أفكر في المال، ولا أركض وراءه. كان قراري بإنشاء شركتي وإدارتها من دون مستثمرين صعباً للغاية، لكنني أيضاً أستطيع رؤية الصورة على المدى الطويل، ولهذا السبب وجدت طرقاً مختلفة لإنجاحها؛ إحدى هذه الطرق الإبداعات التعاونية مع العلامات وصانعي الساعات الآخرين. على سبيل المثال، أتعاون مع ماكسيميليان بوسير، الرئيس التنفيذي لـإم بي آند إف؛ لأنني أحبه كشخص، وأحترم الكثير من أفكاره. فهو رجل لديه رؤية، ومن روّاد الأعمال، وشخص يقود شركته حقاً. وأول تعاون لي مع ماكس؛ ساعة ليغاسي ماشين 1، هو المفضل لديّ.

توسيع الشركة

حالياً، يُضطر عملاء كاري للانتظار لمدة 7 سنوات أو أكثر، قبل أن يتمكنوا من ارتداء الساعة التي طلبوا منه صنعها لهم. ويعترف كاري بأن هذا يشكل مصدر ضغط بالنسبة إليه. لهذا السبب انتقلنا إلى مقر جديد قبل ثلاث سنوات. لدينا ورشة جديدة ذات إطلالة رائعة على الجبل، ومنذ حوالي عامين، كنت محظوظاً بما يكفي لشراء مبنى آخر في نفس المنطقة؛ كان في السابق مدرسة لصناعة الساعات بُنيت في العام 1896، وقمنا بعملية تجديد لهذا المبنى لأكثر من عام ونصف العام. وهو مبنى من ثلاث طبقات تحتوي على غرف كبيرة المساحة، مع غرفة إضافية فوق السطح. ونقوم بتجديد المكان في السطح ليكون مساحة اجتماعية تضم مقصفاً وما إلى ذلك. وسيحتوي أحد الطوابق الثلاثة على مرافق أعمال الزخارف، وفي طابق آخر نخطط للعمل على القطع الفردية والمجموعات الصغيرة. وأقوم بتوظيف المزيد من صانعي الساعات، وهذا سيساعد أيضاً في تقليل وقت الانتظار.

منذ العام 2021، يتولى كاري أيضاً رئاسة شركة Urban Jürgensen – وهي شركة تصنيع ساعات عمرها أكثر من 250 عاماً. وفي حديثه عن الاستحواذ على هذه الشركة، يوضح كاري قائلاً: لدي تاريخ مع هذه العلامة؛ لأنني أعرف المالكين السابقين، وخصوصاً بيتر بومبرغر، الذي اشترى الشركة في ثمانينيات القرن الماضي، وديريك برات. وقد بدأت العمل معهم في العام 1996 على عمليات الترميم، أو أثناء تصميم النماذج الأولية، أو قطع فريدة، وكنت ألتقيه كل أسبوع تقريباً، وأصبحت مقرباً منه للغاية. هذا هو أحد الأسباب وراء قبولي هذا المنصب، وهناك سبب آخر هو أنني معجب بالخلفية الاسكندنافية للعلامة، إضافة إلى أن أسلوب تصميم ساعاتها فريد للغاية ويجذبني. فأردت أن أكون جزءاً من ذلك.

ويعترف كاري بأن إيجاد الوقت اللازم لإدارة كلتا العلامتين يتطلب الكثير من العمل، ولكنه سعيد ويعتبر نفسه محظوظاً لأن ابنته هي أيضاً صانعة ساعات. وفي الواقع، وعلى مدى السنوات الثلاث الماضية، كانت ابنته هي من تدير الشركة فعلياً؛ الأرقام، والمنتجات الجديدة، وما إلى ذلك؛ بينما كان كاري يركز بشكل أكبر على جانب الإبداع. ويلتقي كاري بابنته مرة أو مرتين أسبوعياً للإشراف على الأمور.

GPHG ومكانة مرموقة

حصلت علامة كاري فوتيلانِن حتى الآن على ما مجموعة 10 من جوائز GPHG، على مدى السنوات الماضية، في حين يعتبر الكثيرون كاري أستاذ صناعة الموانئ وأعظم صانعي الساعات. إلا أن جائزة GPHG، كما يقول كاري، لا تزال تمنحه شعوراً خاصاً للغاية؛ أنا سعيد جداً بذلك، وخصوصاً أن هذا يعني أن عملنا يحظى بالتقدير. لقد كنت أحاول القيام بعملي ليس فقط بشغف، ولكن أيضاً بشكل أخلاقي. المال ليس هدفي النهائي، بل أحب التأكد من أن الأمور تُنجز بالشكل الصحيح.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى