لؤلؤة الخليج العربي
صفحة مجهولة من تاريخ صناعة الساعات في المنطقة أصبحت معروفة مؤخراً، عندما عرضت دار كريستيز القطع المعروضة للبيع في مزادها Christie’s Watches Online: The Dubai Edit. في مكان الصدارة من بين تلك القطع كانت ساعة باتيك فيليب الرائعة المصنوعة من الذهب الأصفر عيار 18 قيراطاً: المرجع 2573 المعروفة باسم لؤلؤة الخليج العربي – ref. 2573 ‘Pearl of the Arabian Gulf’ – التي يعود تاريخ صنعها إلى العام 1958. هنا نعرض لكم قصة هذه اللؤلؤة الاستثنائية.
اشتُهرت البحرين بتجارة (صيد وإنتاج) اللؤلؤ، حتى أضحى اسمها مرادفاً لهذه التجارة لعدة قرون؛ لذلك عندما طلب أمير هذه الجزيرة الواقعة داخل مياه الخليج العربي من دار باتيك فيليب في العام 1958، تصنيع ثلاث ساعات مفصلة وفق مواصفات خاصة، كان حتماً أن تتزين تلك الساعات الثلاث بجواهر البحر المتلألئة هذه: اللآلئ.
تروي ملحمة جلجامش منذ العصور القديمة، كيف يسافر البطل الملك إلى أرض دلمون – جزيرة البحرين – بحثاً عن نبتة سحرية أو سر خفي. وعندما يغامر البطل بالغوص في مياه البحر، ويربط قدميه بحجارة ثقيلة، يسحبه وزن الحجارة إلى الأعماق حيث يصبح الماء عذباً. يمسك جلجامش بالنبتة السحرية التي تنمو في تلك المياه، ويقطع الحجارة عن قدميه، ويترك البحر يلقي به على الشاطئ.
تبدو هذه الحكاية تقريباً وكأنها وصف واقعي للغوص على اللؤلؤ أو صيد اللؤلؤ، كما كان يُمارس في البحرين لقرون. تنمو اللآلئ وتنضج، مثل ثمار التوت في بستان بحري. بل إن التفاصيل التي تضمنتها الحكاية حول حلقات المياه العذبة صحيحة؛ حيث إن فقاعات الينابيع العذبة تتصاعد من قاع البحر قبالة ساحل البحرين، وهي تساهم في منح اللآلئ بريقها الخاص.
لذا، فعندما طلب الأمير سلمان بن حمد آل خليفة الأول من دار باتيك فيليب تصنيع ساعة خاصة، كان لابد من أن تتضمن لآلئ البحرين التي لا مثيل لها. ويُعتقد أن الساعة التي طلبها الأمير هي نسخة مخصصة من ساعة كالاتراڤا ذات المرجع 2573، والتي أطلقتها الدار في العام 1956.
استُخدمت اللآلئ في ساعة الأمير كعلامات للساعات، لتشكل زينة رائعة للميناء، حيث جُمّعت ثماني لآلئ بحرينية بين النقاط المشيرة إلى الجهات الأصلية الأربع. وبترتيبها على ذلك النحو، بدت اللآلئ وكأنها عيون من عالم آخر، علماً أن المصطلح السومري للآلئ كان عيون السمكة، حيث تنظر هذه اللآلئ بهدوء وسكينة إلى مرتدي الساعة، ليبدو الأمر كما لو أن الساعة تراقبك.
ولإظهار اللآلئ بأفضل صورة، وُضعت أعلى الميناء مثل كرات البلياردو الصغيرة فوق طاولة ذهبية. وتصبح جرأة التصميم والبراعة الحرفية المطلقة لهذه الساعة أوضح ما تكون، عندما تنظر إليها من الجانب. ومن أي زاوية من زوايا الشطف يمكنك أن ترى كيف رُفعت العقارب فوق ترس (مسنن) مركزي ممدود، بحيث يكون عقرب الدقائق قادراً على مسح الجزء العلوي من اللآلئ، في الوقت الذي يميل مؤشر الدقائق الطويل بزاوية عند النقطة التي يشير إليها، ليشبه ذراعاً منمقة منحنية بأناقة باتجاه المعصم، وبذلك يمكن أن يمثل عقرب الدقائق هنا يد غواص اللؤلؤ الممدودة، أثناء عملية حصاد جواهر البحر.
تم تعديل البنية التركيبية للعلبة وتحسينها لجعل جميع هذه العناصر مرئية. في حين جاء الإطار أكثر انحداراً وأعرض من أطر موديلات 2573 الأخرى، حيث يشكل جداراً دائرياً عالياً يحتوي الميناء إلى جانب اللآلئ. وتزيد البلورة المقببة من الارتفاع الكلي للعلبة بشكل أكبر. وتضفي هذه التغييرات في التصميم معاً على العلبة ثقلاً وحضوراً جذاباً، بما هي واجهة عرض مصغرة تعرض داخلها هذه اللآلئ الرائعة.
ومثل اللآلئ التي كان يبحث عنها جلجامش تحت مياه البحرين، ظل هذا التكوين أو التصميم لسنوات عدة سراً خفياً؛ لغزاً في عالم صناعة الساعات لم يتم حله. وقد كان معروفاً منذ مدة طويلة أنه يوجد في خزائن الإخوة ستيرن؛ مالكي باتيك فيليب، صورة تظهر فيها ساعة تتضمن علامات ساعات من اللؤلؤ، لكن لم يكن لدى أي أحد فكرة عمن قام بطلب صنعها، أو أين يمكن أن يكون، أو ما إذا كانت ساعة واحدة أو أكثر.
حُلّ اللغز جزئياً في العام 2015، عندما عُرضت ساعة مطابقة لصورة الأرشيف للبيع في مزاد لدار كريستيز في جنيڤ، حيث اتضحت في ذلك الوقت صلة الساعة بالبحرين؛ لكن ظل السؤال: هل كانت تلك الساعة الوحيدة؟ لم يكن أحد متيقناً من الإجابة. بعد ذلك، في العام 2018، ظهرت ساعة ثانية في السوق، كانت أيضاً من الذهب الوردي، لكنها ذات ميناء مختلف. إذن هناك ساعتان، لكن هل هما اثنتان فقط؟ هكذا بدا الأمر، حتى ذلك الوقت.
الساعة الحالية، التي تضمنها مزاد كريستيز المشار إليه، هي لؤلؤة البحرين الثالثة التي تظهر للعيان، وربما كانت الأخيرة. ويخبرنا الرقم التسلسلي للساعة أنها أولى الساعات الثلاث التي تم تصنيعها، وهي الوحيدة المصنوعة من الذهب الأصفر.
وهذا اللون المشمس، والذي هو أيضاً لون الصحراء، يجعل الساعة تتناغم بشكل رائع مع بريق اللآلئ. ويمكن للمرء أن يزعم بسهولة أن هذه الساعة هي الأكثر إتقاناً وكمالاً وجاذبية بين الساعات الثلاث، بل هي اللوحة المركزية لهذه الثلاثية الساعاتية التي تحتوي جميعاً على 24 لؤلؤ؛ أي لؤلؤة واحدة لكل ساعة من ساعات اليوم الأربع والعشرين.
بيعت هذه القطعة من تاريخ المنطقة الأسطوري مقابل 214,200 دولار. في وقتٍ ما كان اللؤلؤ البحريني يُعتبر أثمن من الذهب، وهذه الساعة الفريدة من نوعها قد وحدت الزمن واللؤلؤ والذهب في قطعة واحدة مذهلة.
Text and images credit: Christie’s