النقش على طريقة بوتشيلاتي..
منذ أكثر من قرن من الزمان، لا تزال دار المجوهرات الإيطالية الراقية بوتشيلاتي تواصل صياغة إبداعات معقدة من المجوهرات الفاخرة، وقد اكتسبت الدار مكانة خاصة في قلوب عشاق المجوهرات؛ بسبب تقنيات النقش المتنوعة التاريخية المتوارثة التي توظفها في إبداعاتها. على هامش نسخة العام 2024 من معرض الدوحة للساعات والمجوهرات، التقت مجلة داي آند نايت لوكا بوتشيلاتي، مدير المبيعات الخاصة وشؤون كبار العملاء في الدار، للحديث عن تاريخ العلامة وطريقة صياغتها الشهيرة للمجوهرات.
هل يمكن بداية أن تحدثنا عن تاريخ بوتشيلاتي؟
تأسست العلامة علي يدي جدي في العام 1919. كان جدي فتى فقيراً قدم وأهله من الريف إلى مدينة ميلانو. بدأ العمل في سن الثانية عشرة، وذلك في بداية القرن العشرين. كان فتى نابهاً، وقد بدأ العمل في متجر يقوم يصنع المجوهرات الفضية. بعد عدة سنوات، توفي أحد الاثنين اللذين كانا يملكان ذلك المتجر، فسأل المالك الذي بقي على قيد الحياة ماريو – جدي – إذا ما كان يرغب في شراء المتجر. قبل ماريو على الفور ذلك العرض وقام بشراء المتجر، على الرغم من أن لا أحد يعلم من أين دبّر المال اللازم لشراء المتجر. وحتى لا أطيل، ففي البداية لم يكن يملك المال الكافي ليبدأ صياغة وصنع المجوهرات، إلا أنه كان لديه الكثير من الأفكار. فقد كان المتجر يقع بالقرب من مسرح لا سكالا التاريخي الشهير في مدينة ميلانو، وكان ماريو يعرض جميع رسوماته وتصاميمه للمجوهرات على أوراق يعلقها باستخدام شريط لاصق فوق نوافذ المتجر! هذه كانت الطريقة التي ساعدت ماريو على تأسيس دار بوتشيلاتي في العام 1919.
هل يمكنك أن تحدثنا عن تقنيات صياغة المجوهرات التي تجعل من مجوهرات بوتشيلاتي إبداعات مميزة؟
نستخدم في الدار الكثير من التقنيات، جميعها تقنيات متوارثة منذ قرون. وثانياً، كل إبداع من إبداعاتنا مصنوع يدوياً بجميع تفاصيله: التخاريم والنقوش وترصيع الأحجار… وغير ذلك من تفاصيل التصميم. ليست لدينا آلات في الدار ولا نستخدمها، فإذا أتيت لزيارة ورشتنا في ميلانو، سترى بنفسك أننا نستخدم ثلاثة أشياء فقط: عقولنا وأيدينا وقلوبنا؛ وهذه الأشياء الثلاثة تجتمع معاً لتصنع اسم علامة بوتشيلاتي. أما المثير للاهتمام في إبداعاتنا فهو أن إلهامنا دائماً مستمد من فن عصر النهضة الإيطالي.
لديكم العديد من تقنيات النقش المثيرة للاهتمام؛ مثل تيلاتو وريغاتو وسيغريناتو وأورناتو، ما مدى صعوبة تنفيذ هذه التقنيات؟
نعم بالفعل هناك صعوبة في تنفيذها؛ لأن جميعها تقنيات نقش مختلفة؛ فأنت لن تجد في مجوهراتنا قطعة عبارة عن ذهب سادة من دون نقشة؛ إذ إن كل ملليمتر من قطع مجوهراتنا منقوش بتقنية مختلفة من تقنيات النقش. ففي تقنية ريغاتو، على سبيل المثال، نقوم بصُنع خطوط صغيرة باستخدام أداة خاصة لكي نجعل الذهب يبدو كالحرير عند لمسه. وبعض تقنياتنا الأخرى للنقش متوارثة من صائغ مجوهرات مشهور جداً، عاش في القرن السادس عشر، كان يدعى بينڨينوتو تشلليني، حيث كان جدي يشاهد أعمال تشلليني المعروضة في المتحف، وعندها قرر أن يقوم بنقش جميع قطع المجوهرات التي يقوم بصياغتها بطريقة مماثلة؛ فتقنيات النقش هذه هي كذلك ما يجعل من بوتشيلاتي علامة شديدة التميز بإبداعاتها.
ولماذا لا تستخدم العلامات الأخرى مثل هذه التقنيات؟
السبب الرئيسي هو أن مثل هذه التقنيات تستغرق وقتاً طويلاً في التنفيذ، والجميع يرغب في بيع منتجاته على الفور! وهناك مشكلة أخرى تنتج عن ذلك – أي عن استخدام هذه التقنيات – هي نقص المخزون؛ فنحن لدينا الكثير من العملاء على قوائم انتظار قطع الدار. ورغم أننا نحاول إسعاد الجميع، إلا أن متوسط زمن انتظار تسلم إحدى قطع مجوهراتنا يصل إلى تسعة أشهر على الأقل. وهذا هو الواقع؛ لأننا بالفعل نحتاج إلى تلك المدة لصنع القطعة. فإذا دخل أحد الزبائن إلى المتجر بغرض الشراء، فإنني أخبره بأنه إذا كان هناك شيء يعجبه ويرغب أويفكر في شرائه، فمن الأفضل شراؤه على الفور؛ لأنه بمجرد خروج القطعة من المتجر، سيستغرق الأمر تسعة أشهر أخرى قبل أن نستطيع تجهيز قطعة مماثلة.
لكن لماذا قائمة الانتظار لديكم بهذا الطول؟ هل لأنكم لا تستطيعون العثور على صائغين مؤهلين تعلموا وتدربوا على هذه التقنيات؟
بالفعل هذا أحد الأسباب، ولهذا قمنا بتأسيس أكاديمية بوتشيلاتي؛ أكاديمية Buccellati Renaissance Academy، في مدينة ميلانو الإيطالية. حيث نقوم في هذه الأكاديمية أو المدرسة بتدريب الشباب على تقنيات النقش المتوارثة من عصر النهضة. ونأمل أن ينجح الأمر وأن تُحلّ مشكلاتنا في غضون عام أو نحو ذلك، وأن يكون لدينا حينها مخزون كافٍ من القطع لكل متجر من متاجرنا. فنحن لدينا 56 متجراً خاصاً بعلامة بوتشيلاتي، تنتشر في جميع أنحاء العالم، ومحاولة توفير المخزون المناسب لكل متجر من هذه المتاجر هو أمر من الصعوبة بمكان، رغم أننا نبذل الجهد ونقوم بعمل جيد في هذا الخصوص.
تشتهر العلامة بصُنع المجوهرات، ولكن لديكم أيضاً العديد من المنتجات الأخرى من غير المجوهرات، فكيف تحققون التوازن في هذا الشأن؟
نقوم بتصنيع المشغولات الفضية منذ بداية تأسيس الشركة، فالمنتجات الفضية ظهرت جنباً إلى جنب المجوهرات منذ العام 1919، ونحن نحافظ على بقاء هذا التقليد؛ فالمشغولات الفضية تمثل حوالي ثمانية بالمئة من أعمالنا. ثم بدأت الدار صُنع الساعات في سبعينيات القرن الماضي؛ وقد كان ذلك بسبب طلب بعض العملاء من الدار في ذلك الوقت أن توفر لهم ساعات من صُنعها. ولا نزال نقوم بتصنيع الساعات، لكن ساعات نسائية فقط، حيث توقفنا عن صُنع الساعات الرجالية قبل خمس سنوات؛ لأن المنافسة في هذا القطاع شديدة للغاية بل إنها جنونية! ومع ذلك لا تزال لدينا مجموعة ساعات رجالية، وإن كانت لم تعد محور تركيزنا أو اهتمامنا. والسبب الذي يجعلنا لا نزال نقوم بتصنيع ساعات نسائية؛ هو أنها في الأساس ساعات مجوهرات، أي ضمن مجال اختصاصنا؛ ولذلك نقوم بصُنع قطع فائقة الجمال.