لقاءات

ريسانس: حيث يلتقي التصميم بعلم صناعة الساعات

في هذه السلسلة المستمرة من المقالات، التي تُنشر شهرياً، تركز داي آند نايت على الأفراد، أو العلامات، الذين كان لهم تأثير إيجابي في عالم صناعة الساعات الراقية… في هذا العدد سيكون تركيزنا على ريسانس، العلامة التي أطلقت مفهوماً أصيلاً مبتكراً ورائداً في صناعة الساعات، يلخصه شعارها #AheadOfTime. حيث تستبدل ساعات ريسانس العقارب التقليدية كما تعرفها صناعة الساعات، بأقراص دوّارة لقراءة بديهية للزمن ومن أول نظرة. بينوا مينتيان، المؤسس والعقل المبدع الذي يقف وراء إنشاء ريسانس، هو صانع ساعات موهوب ذو خلفية في مجال التصميم الصناعي.

نقطة انطلاق ريسانس هي تفكيك تصميم الساعة التقليدية من أجل التعبير عن الزمن بأنقى صورة ممكنة. وتجعل إصدارات ريسانس من الواضح تماماً أنها في المقام الأول نتاج مصمم سبّاق في فكره ورائد في رؤيته. وقبل دخوله إلى عالم صناعة الساعات الفاخرة، كان بينوا مصمماً صناعياً من حيث المهنة. يقول: قبل أن أبدأ ريسانس، عملت كمصمم صناعي ومستشار. فقد درست التصميم الصناعي، وبدأت العمل في هذا المجال، وفي الوقت نفسه كنت أيضاً أدرس في برنامج الماجستير في إدارة الأعمال.

اللعب / التعلم من خلال التصميم
لم يتخصص بينوا في فرع معين من أفرع التصميم، وإنما منحته دراسته قاعدة عريضة يمكنه البناء عليها. في الواقع، تعلمنا في المدرسة التي كنت أدرس فيها منهجية التصميم. بعد ذلك، عملت كمستشار لشركة تقوم بتصنيع العديد من المنتجات، حوالي نصف عملهم كان في مجال وسائل النقل؛ وهذا يعني تصنيع القطارات والحافلات وعربات الترام، وما إلى ذلك، حيث كنا في الشركة نقوم بتصميم كل هذه المركبات. وقد قمت أنا، في مرحلة ما، بتصميم الجزء الداخلي لإحدى الطائرات. ورغم أن الشركة كان تركيزها على وسائل النقل، إلا أن وظيفتي في الشركة كانت العمل كمصمم عام، أي بمعنى أوسع من تصميم وسائل النقل؛ لذا صممت أيضاً أجهزة طبية، وبنادق، وقطع أثاث، وملابس ترفيهية، ومحطات وقود، وهواتف ذكية، ومكانس كهربائية، وثلاجات، وأجهزة تكييف هواء، وغير ذلك. كانت مسيرتي المهنية طويلة، وكان عملي متنوعاً للغاية.

لم يجد بينوا، المصمم حتى النخاع، أن مهامه التي تشمل مجالات عدة؛ مرهقة، وإنما بدا أنها زادته تفتحاً وابتكاراً. ويوضح ذلك بقوله: الرابط المشترك بين هذه المجالات جميعاً هو الطريقة التي تقوم بها بالأمر، والمنتج النهائي هو نتاج ذلك كله. وبالطبع أنت بحاجة إلى فهم المجال أو القطاع الذي ستقوم بتصميم شيء فيه. على سبيل المثال؛ في المرة الأولى التي كان عليّ تصميم هاتف ذكي لصالح شركة إل جي، توجّب عليّ فهم ما الذي بداخل ذلك الهاتف، وكيف يعمل، وما هي التكنولوجيا المستخدمة لصُنعه، وما هو ممكن في التصميم، وكيف يكون حجمه، وما إلى ذلك.

وفي مشروع آخر، كان عليّ تصميم منتجات لشركة متخصصة في معدات الشواء وكان طلبهم مجموعة جديدة من الشوايات. ذهبت إلى مصنع الشركة لأتعرف على نوع الماكينات التي لديهم، حيث لا فائدة من تصميم منتج لا يمكنهم صُنعه باستخدام ماكيناتهم. وكانت لدي مجموعة من الأسئلة لأطرحها عليهم؛ مثل: ما هي الماكينة الأكثر كفاءة؟ وما هي العملية الأكثر كفاءة؟ لأنك في نهاية الأمر، وكمصمم، لست سوى استثمار بالنسبة إلى عميلك أو زبونك. فالعملاء ينظرون إليك كعائد على الاستثمار، ولذلك عليك بالفعل أن تأخذ كل هذه الجوانب في الاعتبار، وإلا يمكن أن تصمّم منتجاً ذا مظهر جميل جداً، لكنه لو كانت تكلفة إنتاجه باهظة، فلن تقوم الشركة بتصنيعه. لذا يجب أن يكون لديك نهج شامل، أو شديد الاتساع، فهناك أبعاد كثيرة يجب على المصمم أن يفكر فيها عند تصميمه منتجاً ما، والأمر نفسه ينطبق على الساعات، وهذا ما جذبني إلى صناعة الساعات.

الدخول إلى عالم صناعة الساعات
لطالما كان بينوا مفتوناً بالساعات، منذ طفولته. حتى إنه يتذكر قيامه بقص الصور التي تظهر فيها الساعات التي يحبها من إعلانات أو مقالات المجلات. لكن دخوله الفعلي إلى عالم صناعة الساعات عندما دفعني أحد الأصدقاء دفعاً إلى صناعة الساعات، لأنه طلب إلي تصميم ساعة له. ورغم أن تلك كانت البداية، إلا أن مشروع تصميم ساعة له لم يكتمل أبداً، بل بدلاً من ذلك ذهبت إلى معرض بازل للساعات والمجوهرات – بازل ورلد – حيث انبهرت بعروض الصناعة الفاخرة التي رأيتها هناك. ورغم أنني قد حضرت في عملي السابق عدداً كبيراً من المعارض التجارية في قطاعات شديدة التنوع، إلا أنني لم يكن قد سبق لي رؤية مثل ذلك المعرض الفاخر. فمعارض بيع الحافلات أو المكانس الكهربائية أو الأجهزة الطبية أو حتى الطائرات؛ لم تكن بمثل تلك الفخامة!

بازل ورلد – دفعة إلى الأمام
كان ذلك حوالي العام 2007 أو 2008، قبل بدء الأزمة المالية مباشرة، عندما زار بينوا معرض بازل ورلد للمرة الأولى. وفي العام التالي عاد إلى هناك حيث أراد لقاء فيليكس بومغارتنر، المؤسس الشريك لـأورويرك. إلا أن فيليكس لم يكن في المعرض، وبدلاً من ذلك التقى ياسين سار وهي الآن ترأس قسم العلاقات العامة في العلامة. يقول: كانت العلامات المستقلة عبارة عن مؤسسات شديدة الصغر، ولم يكن لها وجود في المعرض سوى طاولة وكرسيين، وساعدة واحدة معروضة فوق الطاولة. تحدثت إلى بعض مسؤولي تلك العلامات، وقد ساهم ذلك الحديث في تفتيح ذهني. لأنني من بلجيكا، وفي ذلك الوقت لم أكن أعرف أحداً في صناعة الساعات، وكانت معرفتي بهذه الصناعة ضعيفة. وكنت أسير انطباع بأن فكرة تأسيس علامة للساعات بنفسي هي فكرة غير واقعية. كان شيئاً مستحيلاً لأن العلامات التي كنت أعرفها؛ كانت العلامات الكبرى التي يعرفها الجميع، فاعتقدت أن الأمر يحتاج إلى أن يكون عمرك 100 عام على الأقل، وأن يعمل لديك 5000 شخص، ولديك 23 مصنعاً حول العالم. كان من المستحيل بالنسبة إلي تخيل أن فرداً يمكن أن يكون لديه علامة ساعات خاصة به. لكن بعد ذلك، ذهبت إلى معرض بازل ورلد وشاهدت تلك العلامات المستقلة التي كان وجودها هناك عبارة عن شخص واحد بمفرده، أو مع شريك عمل يقومان بعرض ساعتهما.

يتابع: سألتهم كيف تفعلون ذلك؟ هل أنتم وحدكم؟ فأجاب أحدهم: نعم، أنا صانع ساعات، أقوم بصُنع ساعاتي. حسناً، أولاً أقوم بتصميمها ثم بعد ذلك أرسل الرسومات إلى عدة متعاقدين من الباطن ليصنعوا المكونات، ثم أقوم بتجميع تلك المكونات وبيع الساعة. كانت تلك مفاجأة غيرت الكثير من الأمور بالنسبة إليّ، عندما اكتشفت أنه من الممكن واقعياً أن تكون لديك علامة خاصة بك! كان ذلك في نفس العام الذي التقى بينوا فيه دوني جيغيه، مؤسس علامة الساعات إم سي تي، والذي كان حينها يطلق علامته؛ أتذكر أنني قلت له: حسناً في العام المقبل سأجلس أنا أيضاً هنا. ومن ثم بدأ بينوا بجدية مهمة تحويل الأفكار التي كانت لديه إلى ساعات فعلية.

العثور على الموارد اللازمة لصُنع ساعة، والعثور على الأشخاص الذين يمكنهم صُنعها؛ كانا هما أكبر مشاكلي. فلم أكن بحاجة إلى العثور على أشخاص يمكنهم صُنع المكونات فحسب، ولكن أيضاً ضمان أن مثل هؤلاء الأشخاص يمكنهم صُنع المكونات في حدود الميزانية المتاحة لي، وبكميات صغيرة – فقط خمس قطع من كل مكوّن. خطّط بينوا للحصول على براءة اختراع عن التقنيات التي أتقنها وحسّنها؛ كنت بحاجة إلى الحصول على براءة الاختراع الوطنية في أقرب وقت ممكن مباشرة قبل طرح ساعاتي للجمهور؛ لأن القانون يتطلب فترة انتظار لمدة 12 شهراً قبل منح خيار توسيع نطاق براءة الاختراع الخاصة بك دولياً، وهو اقتراح مكلف.

إلهام إبداعي
يوضح الموقع الإلكتروني لعلامة ريسانس أن ساعاتهم تمثل طريقة مستقلة للتفكير في صناعة الساعات الفاخرة – مصنوعة يدوياً بخبرة لكن مع فلسفة تصميم صناعي تسعى إلى أن تكون تقدمية، مع جماليات غرافيكية نقية واضحة تلائم القرن الحادي والعشرين. وعندما سُئل بينوا عن كيفية تمكنه من ابتكار ساعة مختلفة تماماً عن أي شيء فعله أي أحد من قبل؛ أوضح قائلاً: عندما تكون مهمتك هي أن تكون مبدعاً، فإنك تستوعب الكثير من الأشياء طوال الوقت. فعندما تواجهك مشكلة؛ تسأل نفسك: ما عساه قد يكون الحل؟ وهنا تبدأ العملية الإبداعية. يسألني الكثيرون من أين آتي بأفكاري، وهذه هي أفضل إجابة يمكن أن أجيب بها. في الواقع، ما فعلته هو أنني قمت بترجمة كفاءة شاشة إلى ميناء ساعة. القراءة على الورق فعالة للغاية، لكنها ثابتة، في حين أن شاشة هاتفك، على سبيل المثال، متحركة ومتغيرة أي ديناميكية. فهي تشبه الورقة إلى حد ما، ولكنها ديناميكية. والساعة ديناميكية لأنها تتغير طوال الوقت، مع تغير وضعية العقارب وحركتها. وقد أردت شيئاً مسطحاً لأنه من السهل قراءته، لكن كان يجب أن يكون ميكانيكياً؛ لأنني أعتقد أن الساعة الميكانيكية أفضل من الساعة الرقمية. كانت الفكرة حقاً هي صُنع شاشة ميكانيكية، ومن هنا تأتي الفكرة الأساسية التي قامت عليها ريسانس. ففي الساعات الأولى التي صنعناها كان الميناء لا يزال مسطحاً، ولكنه أصبح الآن منحنياً.

في غياب التاج
من السمات الرائدة التي تتميز بها ساعات ريسانس غياب التاج – وهي (أي وجود التاج) قاعدة رئيسية في صناعة الساعات خالفها بينوا وخرج عليها. وعندما سُئل عن ذلك رد موضحاً: ساعتنا الأولى لا تزال تحتوي على تاج. في ساعات ريسانس الأولى كان التاج وآلية الحركة متصلان بالعلبة، بينما هما الآن متصلان بظهر العلبة. ذات يوم، سلمت ساعاتي الأولى إلى متجر Chronopassion في العاصمة الفرنسية باريس. بعد ذلك بفترة وجيزة، تلقيت مكالمة من إحدى السيدات تعمل في المبيعات قالت فيها: بينوا، أنا أحب ساعاتك، ولكنني أكسر أظفاري عندما أقوم بضبط الوقت. كنت مستاء للغاية لأنني لم أفكر في ذلك من قبل، وشعرت بالإحراج لأن دعمهم كان يعني لي الكثير. وقد سعدت للغاية بموافقة متجر Chronopassion على عرض ساعاتي لديهم؛ حيث كانت تلك بداية، وبما أنهم اسم كبير في عالم تجارة الساعات، فقد كانت تلك خطوة حاسمة بالنسبة إليّ. كنت خائفاً حقاً من أن يوقفوا بيع ساعاتي لديهم، ولذا قدمت لجميع السيدات العاملات في المتجر خدمة العناية بأظفارهن على حسابي كنوع من الاعتذار. ومنذ ذلك الحين، بدأت صنع ساعاتي من دون تيجان.

زيت في الساعة
قاعدة أخرى من قواعد صناعة الساعات التي تجاهلها بينوا؛ هي أن آليات الحركة يجب أن تبقى بعيدة تماماً عن السوائل. لكن بعض ساعات ريسانس كانت تحتوي زيتاً في داخلها، وقد واجه بينوا وقتاً عصيباً في شرحه لمورديه ما يحتاج إليه. يسترجع ذلك قائلاً: قمت بتصميم الساعة بالكامل؛ كل جزء، كل ترس، كل مقص، كل قرص. وقد كنت على تواصل مع جميع الموردين من الباطن الذي يتعاونون معي – الشخص الذي صنع التروس، وذلك الذي صنع المقصات (المحاور)، والثالث الذي قام بصُنع الأقراص، وغيرهم.

عندما قمت بصُنع أولى نموذج تجريبي للساعة التي تحتوي على الزيت، في العام 2012، أي قبل عام من إطلاقي ساعة Type 3 تايب 3، أحد مورديّ قَدِم إليّ قائلاً: بينوا، أعتقد أنك ارتكبت خطأ في التصميم، فقلت له: حقاً؟ آمل ألا يكون خطأ كبيراً، فرد عليّ قائلاً: نعم، هو ذلك، إذا كنت قد فهمت تصميمك بصورة صحيحة؛ فإنك قد وضعت آلية الحركة ثم وضعت القرص أعلاها، لكن علبة ساعتك محشورة بينهما، وهكذا لا يوجد شيء يربط بين الحركة والميناء. فكيف ستجعل الساعة تعمل إذن؟، لكنه لم يدرك أنني قد خططت لملء الساعة بالزيت، حيث ستكون هناك رابطة مغناطيسية ستقوم بنقل المعلومات من الجانب الجاف إلى الجانب الممتلئ زيتاً. لكن ليست الساعة بأكملها ستُملأ بالزيت؛ لأننا نستخدم حركة ميكانيكية، حيث لا يمكن لعجلة – ترس – التوازن أن تعمل في وجود سائل. كان عليّ أن أبقي آلية الحركة في الجانب الجاف، بينما يحتوي جانب الميناء على زيت في داخله. وحيث الميناء مؤلف من مكونات أكثر عدداً من المكونات التي تتألف منها الحركة. وقد كانت الفكرة هي جعل هذا الانتقال بين الجانب الجاف والجانب الذي يحتوي على الزيت؛ ممكناً، وقد فعلنا ذلك بواسطة رابطة مغناطيسية؛ بحيث يكون الجانب الذي يحتوي على الزيت مغلقاً (مبرشماً) بإحكام عن بقية أجزاء الساعة. ففي هذا الجانب لا توجد فتحات، فهو مبرشم بالكامل ومحكم الإغلاق تماماً، مثل البوصلة.

رؤية للمستقبل
أنتجت علامة ريسانس 650 ساعة في العام الماضي، لكن بينوا يشعر أن بإمكانهم إنتاج المزيد، فهو لديه شعور بأن العلامة يمكنها بسهولة بيع أعداد أكبر كثيراً من الساعات، ولكنها لم تصل إلى ذلك بعد، من ناحية الإنتاجية. ولذلك فإن زيادة 400 قطعة – أي زيادة بنسبة 70 في المئة – لا تقلقه. يقول: هناك فارق هائل بين صُنع 250 وصُنع 500 ساعة، لكن الفارق بين إنتاج 650 ساعة و1000 ساعة لن يصبح كبيراً؛ لأننا حينها نكون قد قمنا بالفعل بتنفيذ العمليات – مثل برنامج إدارة علاقات العملاء، وطلبات تقديم العروض، وغيرهما – اللازمة لتسليم 650 ساعة. لكن عندما تنتج 250 ساعة فقط، فأنت لا تحتاج إلى كل هذه العمليات، بل يمكنك القيام بذلك باستخدام ملف إكسل Excel، لكن عندما تقوم بإنتاج 650 ساعة، لن يصبح ذلك ممكناً. لأنك حينها ستحتاج إلى أن يكون لديك برنامج لمساعدتك في عملية الإنتاج، وهذا البرنامج لا يهمه إذا كنت ستنتج 650 أو 1000 ساعة. ستحتاج بالتأكيد إلى مزيد من الأشخاص للعمل معك؛ حيث ستحتاج إلى المزيد من صانعي الساعات والمزيد من الموردين. كان الوصول إلى 650 ساعة دونه عقبة صعبة؛ لأنه كان يتعين إعادة تنظيم الكثير من أمور الشركة في السنتين أو السنوات الثلاث الماضية، وقد انتهينا من ذلك بالفعل.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى