الساعات

من سك العملات إلى صناعة الساعات.. ملحمة برنارد إتش ماير

في عام 1871 أسس برنارد إتش ماير، وهو فنان ماهر في النقش على المعادن؛ متجراً في بلدة الغابة السوداء الشاعرية الرائعة؛ فورتسهايم، في ألمانيا. وعلى مدار الـ150 عاماً التالية، سينمو عمل ماير وأفراد سلالته من تلك البداية المتواضعة في متجر المسكوكات، إلى ترسيخ اسم العائلة ليكون إحدى العلامات الرائدة في صناعة الساعات الفاخرة. في هذا المقال نلقي الضوء للقارئ على أهم مراحل هذه المسيرة..

هي رحلة مليئة بالأهمية التاريخية؛ مثلما حدث عندما تم تكليف الشركة بتصنيع الميداليات الذهبية للدورة الأولمبية في برلين عام 1936، أو عندما دُمرت معامل العائلة في الحرب العالمية الثانية، ووصلت هذه الرحلة إلى ذروتها في نهاية المطاف عندما حققت الشركة نهضتها كصانع ساعات بامتياز.

وتحت قيادة حفيد المؤسس، فإن شركة ماير في القرن الحادي والعشرين، من نواحٍ كثيرة، بعيدة في مجالها عن المجال الذي أسسه رب العائلة. وفي الوقت نفسه، فإنه رغم – أو ربما بسبب – تجارب الماضي، لا يزال هناك شيء واحد يحتل مكان المقدمة والمركز: الإخلاص الذي لا يتزعزع للتاريخ والإرث.

لطالما كانت عائلة ماير وفية لروح العائلة أو الصفة الجوهرية المعبرة عنها؛ خدمة شركاء العمل والزبائن والموظفين من خلال تلبية احتياجاتهم، بكل تواضع. ويُلمح رئيس مجلس إدارة العلامة، وهو أحد أفراد الجيل الرابع من عائلة ماير، واسمه أيضاً برنارد إتش ماير؛ إلى أن العلامة تؤمن بهذه القيم الآن أكثر من أي وقت مضى، وأن فريق العلامة يسعى جاهداً إلى جعل منتجاتها تعبيراً عن روح العائلة وجوهرها.

وهو عندما يتفكر في الماضي ويسأل نفسه ما الذي جعل أسلافه يواصلون العمل بلا هوادة، ويجاهدون ويكافحون ضد جميع الصعاب، يتذكر شيئاً قاله والده ذات مرة عندما سأله ما الذي يجعله يواصل العمل، فأجاب والده أن السبب هو نقل إرث العائلة إلى الجيل التالي.

وجزء كبير من هذا الإرث هو حب أفراد عائلة ماير العميق لصناعة الساعات، فهم في الواقع قد انخرطوا منذ فترة طويلة في تصنيع مكونات الساعات. وبالفعل كان رب العائلة برنارد الكبير مولعاً بساعات الجيب، حيث اعتاد جمع ونقش تلك الساعات التي كانت رموزاً للمكانة الاجتماعية في الماضي، وكذلك إضفاء الطابع الشخصي عليها.

ومع ذلك، لم تجد العائلة الإلهام إلا في ثمانينيات القرن الماضي، وذلك في الساعات التي تتضمن عملات معدنية والتي كانت شركة كوروم رائدة في ابتكارها، ومن ثمّ تحركت العائلة لتوجيه شغفها الذي يبلغ عمره قرناً من الزمان، وما تتميز به من فن في سك المعادن؛ إلى صناعة الساعات.

ذلك القرار، إلى جانب تشكيل تحالف توزيع استراتيجي في نهاية المطاف مع مجموعة كيو آي غروب QI Group، بشر ببزوغ فجر جديد للعائلة شهد اشتهار اسم برنارد إتش ماير بتفرد أسلوبها ونهجها الذي طبع ساعات اليد الكلاسيكية المجمعة يدوياً من تصنيعها. فهناك تفرد مؤكد في ساعات الشركة، بفضل مزجها بين صناعة الساعات السويسرية التقليدية وفن المسكوكات أو سك العملات، كما يوضح ماير الحفيد.

وهو يشير إلى أن علامة برنارد إتش ماير هي واحدة من عدد قليل جداً من العلامات التي تجمع بين فن تصميم وسك العملات التقليدي، وأحدث تطورات صناعة الساعات، وهذا ما يضيف لمسة من التاريخ والتقاليد إلى صناعة الساعات الحديثة، لتتميز العلامة بذلك عن معظم علامات الساعات الفاخرة الأخرى.

وفي حين أن التقاليد والتاريخ وفكرة الحفاظ على إرث يمتد إلى 150 عاماً؛ لا تزال موضع تركيز، فإن علامة برنارد إتش ماير، التي يقع مقرها الرئيسي منذ عام 2006 في مدينة بييل عاصمة صناعة الساعات في سويسرا، قد وضعت على مدار السنوات القليلة الماضية معايير جديدة في صناعة الساعات الحديثة.

ولا يوجد مكان يمكن فيه رؤية هذا التزاوج بين الإرث والبراعة الحديثة، أكثر وضوحاً من ساعات اليد ذات الإصدار المحدود المصنّعة بإتقان بالغ، والتي وضع تصميمها المصمم الشهير رودولف كاتان للاحتفال بالذكرى المئوية الأولى لتأسيس العلامة.

وهذه التحف الفنية البارعة من إبداع كاتان، التي تتوفر بإصدارين أنيقين – من الستانلس ستيل والستانلس ستيل المصقول/اللمّاع المطلي بالذهب الوردي بتقنية بي ڨي دي – لا مثيل لها في جمالها الراقي.

ولكن ما يميز هذه الكنوز الجمالية حقاً هو عملتان معدنيتان تذكاريّتان – إحداهما من الفضة الإسترلينية 925 للساعة الأولى المصنوعة من الستانلس ستيل، والثانية من الذهب الوردي عيار 18 قيراطاً للساعة الأخرى – وهما العملتان اللتان تستقران على ميناءي الساعتين، اللذين يصوران معمل ماير الشهير في بلدة فورتسهايم.

ويعترف ماير الحفيد بأنه معجب بكاتان، ويتذكر بوضوح لقاءاته معه. ولا يركز كاتان على التصميم فحسب، بل يلتزم بالقاعدة الذهبية: الشكل تبعٌ للوظيفة.

وقد أجرى الاثنان نقاشات حماسية حول كيفية توثيق أصول فن سك العملات الذي يميز جوهر وتقاليد عائلة ماير. وفي النهاية اتفقا على أنه يجب أن تكون هناك إشارة إلى فن سك المعادن وتاريخ برنارد إتش ماير الطويل، وفي الوقت نفسه الحفاظ على أعلى جودة تقنية وتصميمية.

ويعبر الإبداعان التوأمان الرائعان – الساعتان المشار إليهما آنفاً – مثل العديد من ساعات العلامة، بشكل مثالي عما تدين به العلامة لماضيها. وفي الوقت نفسه فإن التصميم، كما يلفت ماير الحفيد، يتميز بأنه شديد المعاصرة ويلبي متطلبات زبائن هذا العصر.

ويفسر ماير بأن الشركة تسعى دائماً جاهدة لابتكار منتجات تعكس الشخصية الفعّالة الحيوية وأسلوب الحياة لعشاق الساعات وهم في غالبيتهم من جيل الشباب. وفي الوقت نفسه تلتزم الشركة بمعايير الجودة، التي تجعل ساعاتها تظل مستخدمة طوال حياة مالكها، بل حتى يمكن أن تنتقل إلى الجيل التالي كإرث يُفتخر به.

وتنبع هذه النظرة إلى المستقبل من التزام العائلة بعلامتها ومنتجها، وكذلك من إحساس كل جيل بأنه حلقة في سلسلة طويلة؛ وهي صفة كما يقول ماير تكمن فيها قوة العائلة.

وتركز علامة ماير، كما يضيف رئيس مجلس إدارتها، على الاستدامة، ففي الوقت الذي تحتفل بقرن ونصف القرن من التميز، تتطلع الشركة بالفعل إلى مستقبل تقود فيه السمات الشخصية والطابع الفردي اتجاهات الطلب على الساعات أكثر من أي وقت مضى.

وهو يؤمن أنه من نواح كثيرة فإن هذه الثورة قد بدأت بالفعل. فالساعة تُعد منتجاً شخصياً، وهناك بالفعل تحرك لإدراك أن مرتدي الساعات يريدون الارتباط بساعاتهم. وفي المستقبل، سيكون هناك المزيد من التركيز على السمة الفردية وإضفاء الطابع الشخصي، وهذا أيضاً لأن الزبائن أصبحوا أكثر فطنة وإدراكاً. فالناس أصبحوا على دراية جيدة بالساعات، وهو يعتقد أن هذا هو ما سيقود الاتجاهات المستقبلية في هذه الصناعة.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى