مصنع ”أوميغا“.. تحفة فنية من الكفاءة والفعالية
كان ذلك في العام 1882، عندما انتقلت شركة “لوي براندت وأولاده” لأول مرة إلى مقر مصنعها لصناعة الساعات، الذي يقع في 96 شارع جاكوب-ستامبفلي في مدينة بيين السويسرية. وظلت الشركة، التي نعرفها اليوم باسم “أوميغا”، في الموقع نفسه منذ ذلك الوقت. وعلى مدار السنوات، تواصل نمو المباني والإمكانيات داخل هذا المصنع، الذي يُعد بالتأكيد أحد أهم مصانع الساعات في العالم. هنا، نقدم للقارئ إطلالة من وراء الكواليس على مصنع العلامة في سويسرا..
الابتكار في موقع العمل
يمثل مصنع “أوميغا” الحديث، في مقره الرئيسي في مدينة بيين، اليوم أكثر مرافق تجميع الساعات، والتدريب، ومراقبة الجودة؛ تطوراً وحداثة. قام بتصميم المصنع المهندس المعماري الياباني، المُلهَم والحاصل على الجوائز؛ شيغيرو بان، ليكون تحفة فنية صديقة للبيئة، تم بناؤه بالكامل من خشب الصنوبر – “شجرة التنوب” – السويسري والخرسانة. وفي الداخل، استخدمت “أوميغا” مساحة الطبقات الخمسة للمصنع بأكثر الطرق الممكنة فعالية، حيث جمعت الابتكار التقني والخبرات البشرية معاً من أجل الحصول على عملية تصنيع انسيابية تماماً.
وبالنسبة إلى “أوميغا”، فإن الفائدة أو المنفعة الرئيسية هي الكفاءة والفعالية. ويضم المبنى جميع عمليات التجميع والاختبار التي تقوم بها العلامة، تحت سقف واحد. ويمثل هذا دمجاً كاملاً للعمل، ما يعني أن طاقة التصنيع الكلية للشركة، تم تعظيمها لصالح الإنتاجية. وبهذا فإن جميع الخطوات، بما فيها تجميع الساعات، وتصنيع الأساور، والتعبئة والتغليف، وكذلك خدمات التخزين والخدمات اللوجيستية؛ يتم تنفيذها بالكامل في الداخل. وإضافة إلى هذا، فإن المبنى مصمم لأغراض التدريب، ما يُمكّن “أوميغا” من شحذ مهارات الموظفين داخل المصنع وتطويرها باستمرار. ومع ظهور جيل جديد من مشتري الساعات، أحدثت “أوميغا” ثورة في مرافقها لتلبي متطلبات هؤلاء.
براعة شيغيرو بان الفنية
باشتهاره بتطور هياكل تصاميمه وتقنياته غير التقليدية؛ رسّخ شيغيرو بان اسمه كأحد المهندسين المعماريين الروّاد في العالم وأكثرهم إثارة. ومن تصاميم المتحف الرشيقة في فرنسا وحتى تصميم كنيسة في اليابان من الورق المقوى؛ أحدثت أعماله تأثيراً عالمياً، ونالت الثناء والتقدير ليس فقط من قبل أقرانه، ولكن أيضاً من قبل وسائل الإعلام مثل مجلة “تايم” الشهيرة، التي وصفته بأنه أحد أفضل المبتكرين في القرن الحادي والعشرين في مجال الهندسة المعمارية والتصميم. ومن خلال مزج موضوعات ومفاهيم العمارة اليابانية بالحداثة الغربية، أسّس بان نهجه التصميمي الفريد من نوعه، والذي أصبح مرادفاً لاستخدام مواد بناء غير متوقعة.
ومن أشهر أعماله، عمله المبتكر باستخدام أنابيب ورقية وكرتونية، والذي مهّد الطريق لإنشاء هياكل مبانٍ منخفضة التكلفة وباستخدام مواد قابلة لإعادة التدوير. لكن هندسته المعمارية لم تقتصر على هذه المواد وحدها؛ حيث تمكن مشاهدة استخدامه الذكي المذهل للأخشاب والزجاج، في جميع أنحاء العالم، بما في ذلك المقر الرئيسي لشركة “أوميغا” في مدينة بيين السويسرية. وفي العام 2014، فاز بان بجائزة “بريتزكر” الشهيرة في الهندسة المعمارية، والتى تُعد أرقى الجوائز في هذا المجال، وذلك لإسهاماته العظيمة في الابتكار المعماري وتحسين حياة البشر. وتتضمن قائمة أهم المباني التي قام بتصميمها “الكنيسة الورقية” في مدينة كوبي اليابانية، وجناح اليابان في معرض “إكسبو 2000” الذي أقيم في مدينة هانوڨر الألمانية، ومتحف “نومادك” – “الرحال” – في مدينة نيويورك بالولايات المتحدة، ومركز “نيكولاس جي حايك” في طوكيو عاصمة اليابان، و”ميتال شاتر هاوس” في نيويورك، ومركز “بومبيدو-ميتز” في فرنسا.
تقنية صديقة في الداخل
لطالما كانت صناعة الساعات الخاصة بعلامة “أوميغا” في طليعة صناعة الساعات العالمية. وتكشف نظرة سريعة إلى داخل مصنع مقرها الرئيسي، عن كيفية تفاعل الخبرات البشرية حالياً مع المساعدة الروبوتية (الآلية) على أعلى مستوى. في قلب المبنى، أقامت “أوميغا” نظام تخزين آلياً بالكامل، يرتفع على امتداد ثلاث طبقات من المبنى. ومثل لقطة من أحد أفلام الخيال العلمي، يحتوي المخزن المركزي المقاوم للحرائق على أكثر من 30 ألف صندق، مملوءة بجميع الأجزاء الضرورية المطلوبة لعملية تصنيع الساعات التي تقوم بها العلامة. ويمكن لزائري المبنى أن يشاهدوا بإعجاب نظام التخزين وأذرعه الروبوتية أثناء العمل؛ وذلك من خلال نوافذ تم بناؤها خصيصاً لهذا الأمر. ولا يُسمح بالدخول إلى نظام التخزين المركزي إلا لشخصين فقط مدربين تدريباً خاصاً، وذلك لأن نسبة الأكسجين الموجود في الداخل تم خفضها إلى 15.2 في المئة، لضمان عدم اشتعال الحرائق أو انتشارها.
وإضافة إلى هذا، هناك العديد من الأمثلة الأخرى للتكنولوجيا التي تثبت الكفاءة الفائقة لمصنع “أوميغا” اليوم. وتتضمن هذه الأمثلة الأذرع الروبوتية والأنظمة المستخدمة لاختبارات “ماستر كرونوميتر” (التفوق الكرونوميتري). وبالنسبة إلى البشر فإن عملية النقل الجسدي وتنظيم الساعات، هي عمل رتيب ويستغرق وقتاً طويلاً. ولهذا السبب تم تخصيص الأذرع الروبوتية الضخمة الخاصة بعلامة “أوميغا”، بالكامل لإنجاز هذه المهمة. ومن خلال قيامها بقياس الساعات وتصويرها فوتوغرافياً وتعبئتها ونقلها وتدويرها؛ تمد الأذرع الروبوتية “أوميغا” بمستوى ثابت ومستمر من التشغيل، مكونة خط تجميع رائعاً لا تفوته تفصيلة على الإطلاق.
إلا أن هذا لا يعني أن اللمسة البشرية غير مطلوبة، فمع إعطاء الروبوتات المهام الأقل أهمية، يمكن للعاملين في مصنع “أوميغا” التركيز بشكل كامل على نتائج الاختبارات، والتأكد من أن كل ساعة تم تنفيذها بدقة بالغة وجاهزة للوصول إلى الزبائن. وتوجد أيضاً أذرع روبوتية تُستخدم لتحديد كل ساعة وتغليفها النهائي. أما أنظمة “القارئ” فتضمن أن كل ساعة يتم إخراجها من خط التجميع، سيتم تسليمها مع الضمان وشهادة الاعتماد الصحيحين، إضافة إلى جميع الملحقات الضرورية الأخرى. وهناك مثال آخر على هذه التكنولوجيا، يتضمن أذرعة الحفر بالليزر، والتي تمنح كل ساعة هويتها الفريدة المميزة.
حقائق حول المخزن المركزي
تبلغ سرعة التخزين المركزي 4 أمتار في الثانية، بينما تبلغ سعته أكثر من 30 ألف صندوق تخزين. وتضم مساحة التخزين مصعدين رأسيين، بطول 27.4 متر، وعرض 9.4 متر، وارتفاع 14.2 متر. ويبلغ حجم طاقة استيعاب التخزين المركزي 3360 متراً مكعباً، ويقوم بإكمال 1400 عملية إنتاج في الساعة.
الفريق
يذهب شعار “صناعة سويسرية” إلى أبعد من وصف أجزاء الساعة أو الابتكار التقني للشركة. حيث يمثل هذا الشعار أيضاً معايير فريق موظفي “أوميغا”، والذين يعملون من دون كلل لإنجاز أفضل الساعات في العالم. وبالتأكيد، فإن أعظم قوة تمتلكها “أوميغا” هي طاقم العاملين لديها. كل ما عليك هو السير عبر المصنع، لتشاهد التركيز المكثف والمهارات الدقيقة التي يتم توظيفها في كل مكان؛ بدءاً من وضع الأيدي بشكل مثالي لتصنيع ميناء للساعة، وصولاً إلى التركيب النهائي للعلبة لساعة مكتملة التصنيع؛ حيث يتمتع جميع صانعي الساعات في الشركة بنفس الفخر والالتزام، الذي أمد شعار “صناعة سويسرية” الذي ترفعه علامة “أوميغا”؛ بالطاقة لأكثر من 170 عاماً.
ولمنح فريق موظفيها مزية إضافية، قامت “أوميغا” بتحسين بيئة العمل داخل مصنعها إلى أقصى حد. بداية من التحكم في درجة الحرارة الذي تتم إدارته بعناية، إلى تكييف الهواء وبيئة العمل الكلية؛ حيث يتكامل كل شيء لتحقيق تدفق استثنائي في وتيرة العمل. وحتى عملية إزالة الأتربة التي تتم بكل صرامة، تثبت أن مصنع “أوميغا” يستطيع العمل بمعايير عالية من الصعب جداً تحقيقها في مكان آخر. ومن خلال إنشاء المساحة المثلى للعمل، فإنه لا شك أن “أوميغا” ستحقق المزيد من التفوق في تصنيعها للساعات. وفي النهاية، فإن هذا هو نوع الطموح الشهير الذي جعل دمغة “صناعة سويسرية” فائقة الشهرة في جميع أنحاء العالم. وللحفاظ على ازدهارها في المستقبل، تحافظ “أوميغا” على فريق موظفيها في أفضل وضع ممكن.
اختبارات اعتماد METAS
تم إنشاء مصنع “أوميغا” ليحتضن عمليات مراقبة الجودة والتقنية الخاصة بعلامة “أوميغا”، بما في ذلك اختبارات METAS (إم إي تي إيه إس) للحصول على شهادة اعتماد “ماستر كرونوميتر” (التفوق الكرونوميتري). ويضم الطابق الثالث من المصنع جميع التقنيات الخاصة باختبارات METAS الثمانية، ومن بينها أجهزة المغناطيس القوية التي تُخضع كل ساعة لحقل مغناطيسي يبلغ قياسه 15000 غاوس. وهنا في هذا المصنع، تقوم “أوميغا” باعتماد ساعاتها بأعلى معايير الصناعة؛ من حيث الدقة والأداء والمقاومة المغناطيسية.
مساحات خضراء
تماشياً مع مفهوم الابتكار الذي يتميز به هذا المشروع الطموح المتخذ شكل مبنى، تم تصميم المصنع بمفهوم المناخ الداخلي المبتكر والطاقة الداخلية المبتكرة. وعقب قيامها بثلاث خطوات واضحة، أصبحت “أوميغا” قادرة على تحقيق أقصى قدر من الكفاءة من خلال تنمية مستدامة حقيقية. فأولاً؛ يتجاوز مستوى العزل الذي تم اختياره لهذا المبنى، بالفعل المستويات المطلوبة في قانون البناء السويسري. ومن خلال الاعتماد على هذه الطاقة الفعّالة والمدمجة، تستطيع “أوميغا” بكل سهولة تقليل الأحمال الخارجية على نظام التدفئة الخاص بالمبنى.
فعلى الزجاج الخارجي للمصنع، تم تضمين تظليل شمسي عالي الكفاءة فوق كل نافذة، ويتم التحكم في ستائر التظليل الخارجية هذه بواسطة الشمس، وذلك بناء على الاتجاه الذي تواجهه النافذة. وفي الداخل تعتمد الإضاءة الاصطناعية بالكامل على استخدام نظام LED (الصمام الثنائي الباعث للضوء)، ما يضمن طاقة تشغيل أقل، واستهلاك كهرباء أقل، وأحمال حرارية داخلية أقل. كما أن الإضاءة أيضاً يتم التحكم فيها بواسطة ضوء النهار وأجهزة استشعار التشغيل؛ التي تشغّل فقط عند الحاجة.
وبشكل عام، تم استخدام أنظمة مشعّة لجميع أجهزة تكييف المناطق داخل المصنع، وتوفر هذه الطريقة الشهيرة راحة أكبر واستهلاكاً منخفضاً للطاقة؛ حيث يعمل هذا النظام بالاستناد إلى درجات تبريد عالية ودرجات تدفئة منخفضة. وبمعنى آخر، فإن عملية تبريد وتدفئة المبنى يمكن إنتاجها بكفاءة فائقة. وفي مثال رائع لمفهوم إعادة التدوير، يستخدم المصنع الحرارة الزائدة الخاصة به والناتجة عن عمليات الإنتاج؛ مثل ضغط الهواء، وأجهزة الشفط، وتقليل الأكسجين؛ في عمليات أخرى مطلوبة؛ مثل تسخين المياه للحصول على ماء ساخن داخل المبنى.
وحتى المراوح المستخدمة في وحدة معالجة الهواء، هي مراوح موفرة للطاقة، للحد من استهلاك الكهرباء. أيضاً تختلف معدلات عملية التهوية وفقاً للحاجة، ويتم تخفيضها قدر الإمكان أثناء الليل. وبالمثل، فإنه داخل ورش التصنيع، يتم التحكم في معدلات تغير الهواء بشكل مختلف، حسب الاحتياجات المحددة لعملية الإنتاج.
ويعتمد إمداد الطاقة بالكامل للمبنى على نظام الطاقة الحرارية الأرضية، والذي يستخدم إمكانات الطاقة المتجددة للمياه الجوفية، وهذه الإمكانات مصدرها عدة آبار للمياه الجوفية توجد في أرض المصنع. وتنتقل المياه الجوفية التي يتم ضخها عبر وصلة حرارية لتبريد الغرف مباشرة. في حين تعمل الألواح المشعّة داخل المبنى بدرجات حرارة للمدخل تبلغ ما بين 16 – 18 درجة مئوية، وهي التي يمكن توفير الإمداد بها مباشرة من المياه الجوفية، من دون أي تبريد إضافي. وفي حالة التدفئة، يتم التحكم في المياه الجوفية من خلال مضخة حرارية.
وأخيراً، فإنه لإنتاج بعض الكهرباء اللازمة للتدفئة والتبريد والتهوية والإضاءة المتجددة، فإن السطح الجنوبي الشرقي للمبنى مغطى بألواح شمسية. ولأول مرة في العالم تم استخدام العاكسات الدقيقة BLUE AC من إنتاج شركة “بيلينوس”، في إنشاء مصنع “أوميغا”؛ حيث تم تركيب هذه الأجهزة مباشرة خلف الألواح الشمسية، لتكون متصلة مباشرة بشبكة الكهرباء، ومن ثم تقوم بتحويل التيار المباشر للشمس إلى تيار بديل يُستخدم في المبنى، وهكذا تقوم بإنتاج طاقة متجددة. إلى ذلك، فإن الحجم الكلي للأخشاب المستخدمة في عمليات الإنتاج، يعادل ما يساوي 2.6 ساعة فقط من نمو الأشجار في سويسرا.