لقاءات

ستوديو أندردوغ: لمسة شقية على صناعة الساعات

في هذه السلسلة من المقالات، التي تُنشر على صفحاتها شهرياً، تركز داي آند نايت على الأفراد، أو العلامات، الذين كان لهم تأثير إيجابي في عالم صناعة الساعات الراقية… في هذا العدد نسلط الضوء على ريتشارد بينك، مؤسس ستوديو أندردوغ-Studio Underd0g. مثلما تترافق الغيوم الداكنة مع بطانة فضية اللون، فقد كان أحد الجوانب الإيجابية للإغلاق بسبب جائحة كوڨيد هو تفتح المواهب وازدهارها، والذي جاء نتيجة بقاء الكثيرين داخل منازلهم لفترات طويلة مرغمين. إحدى علامات صناعة الساعات التي نتجت عن ذلك؛ كانت ستوديو أندردوغ، والتي انطلقت رسمياً في مارس من العام 2021، لترسخ سمعتها بين عشاق صناعة الساعات الراقية؛ بفضل لمستها المرحة – الشقية – التي أضفتها على عالم صناعة الساعات الجاد، حيث يبدي الآلاف اهتمامهم بمجرد إعلان العلامة على موقعها الإلكتروني عن قطعة جديدة من ابتكارها.

مصمم بالصدفة

يعترف ريتشارد بينك بأنه لم يكن في البداية مهتماً بالساعات، حيث كان عالم التصميم هو شغفه.. لديّ خلفية من تصميم المنتجات الصناعية، وعندما كنت أدرس هذا المجال؛ لم أكن أعلم بوجود عالم الساعات! فلم يكن لدي أدنى اهتمام بصناعة الساعات، ولكن عندما كنت أصمم المنتجات، وسواء كان المنتج قنينة شامبو أو عربة غولف أو شيئاً آخر؛ كنت دائماً منجذباً نحو تصميم القطع الأصغر حجماً. عندما تخرجت، كنت حريصاً على تصميم قطع صغيرة لأن التفاصيل هي كل شيء – وأعني ذلك النوع من خيارات التصميم المنقّحة التي تكون خفية دقيقة. ففي بعض الأحيان، لا تعرف لماذا تُعجب بمنتج معين، لكنك تُعجب به على أية حال، إلا أن ذلك ربما كان بسبب الانعكاسات، أو وجيهة هنا، أو شطبة هناك.

رغم انجذابه الدائم نحو الأشياء أو القطع الأصغر حجماً، لم يربط بينك ذلك بتصميم الساعات، حتى لعب الحظ دوره في الربط بين الأمرين. يقول: كنت قد تقدمت إلى عدة وظائف في لندن؛ حيث إن هذا هو المكان الذي أردت العيش وبدء العمل فيه فور تخرجي. كان من الصعب العثور على أيٍّ من وظائف الاستشارات التصميمية في لندن. كنت أبحث وأتقدم بطلبات توظيف في أماكن مختلفة، وانتهى بي الأمر بالعثور في شركة تقوم بتصميم الساعات؛ ساعات الموضة والساعات التي تستلهم الشخصيات الشهيرة في الثقافة الشعبية، لصالح مختلف العلامات. وحتى تلك اللحظة، لم أكن أدرك حقاً ما الذي أقحمت نفسي فيه. استعرت ساعة والدي من أجل مقابلة التوظيف، حيث لم يكن لديّ أي فكرة عن الساعات!

آفاق جديدة تتفتح

لكن بمجرد أن حصل بينك على تلك الوظيفة، تفتحت عيناه على الإمكانيات اللامحدودة.. عندما بدأت أقدّر صناعة الساعات حق قدْرها، بدأت أكتشف كل الأشياء التي أحببتها في الصناعة؛ اكتشاف العلامات الجديدة الصغيرة التي كانت تدخل إلى السوق، وصقل مهاراتي التصميمية. كنت أعمل في شركة استشارية كانت تصمّم الساعات، كانت شركة مرخصة، وبعض المشروعات الأولى التي عملت عليها كانت بموجب ترخيص – الكثير منها كانت ساعات تستلهم الشخصيات الشهيرة؛ مثل الـمينيونز، وشخصيات سلسلة أفلام ستار وورز، وشخصية بيبا بيغ. وهي ساعات على الموضة وذات تصميم مبهج، لكنها شديدة الاختلاف. وبينما كان معظم مالكي العلامات الذين كنت أتحدث إليهم، قد تدربوا لسنوات على صناعة الساعات، فقد كانت ساعتي الأولى التي أقوم بتصميمها هي ساعة تستلهم في تصميمها إحدى شخصيات الـمينيونز؛ عندما تضغط على أحد الأزرار يقفز قرص خارجاً… كانت ساعة جيدة للأطفال.

في تلك اللحظة عاش بينك لحظة اكتشاف عميقة، فاكتشف شيئاً جديداً عن نفسه.. هذا كان أنا، اكتشفت مدى استمتاعي بتصميم الساعات، سواء كانت ساعات مخصصة للأطفال في سن السادسة، أو لهواة جمع الساعات الجادين، فعملية التصميم هي هي. كان ذلك اكتشافي المتعلق بالصناعة، فقد استمتعت بعملية التصميم وأمضيت ما بين 5 إلى 6 سنوات في العمل لصالح العلامة الألمانية براون، التي تتمتع بروح باوهاوس؛ حيث تتميز تصاميمها بالبساطة الشديدة. وهناك تمكنت من صقل مهاراتي.

انطلاق العلامة

غالباً ما تقذف الحياة في طريقنا بكرة، في وقت أبعد ما نكون عن توقع ذلك، وهذا بالضبط ما حدث مع بينك. حدث التغيير بفضل جائحة كورونا، على حد تعبيره إذ يقول: يتعلق الأمر أيضاً إلى حد ما بالتوقيت، فقد كان ذلك هو الوقت المناسب والمكان المناسب بالنسبة إليّ عندما حدث الإغلاق بسبب الجائحة. حُبست في البيت، لم يكن لديّ ما أفعله.. أُغلقت جميع أماكن اللهو، ولم أعد قادراً على رؤية أصدقائي. لذلك وضعت لنفسي مهمة تصميمية، وقلت لنفسي إنني أريد أن أفعل شيئاً مختلفاً. مع الأخذ في الاعتبار أن جميع الأعمال التصميمية التي كنت أقوم بها حتى ذلك الوقت، كانت من نوعية تصاميم باوهاوس، أي من حيث الأسلوب. وأنا هنا أعني أن موانئ الساعات كانت فقط باللونين الأسود أو الأبيض، ولا شيء آخر. وبالنظر إلى خلفيتي التصميمية تلك، فأعتقد أن إطلاقي العلامة بالطريقة التي أطلقتها بها كان شكلاً من أشكال التمرد على تلك الخلفية، فقد أردت أن أستخدم مزيداً من الألوان، وأردت أن أكون مرحاً شقياً؛ حيث أردت أن يكون الأمر ممتعاً رغم أنني أعمل على قطعة جادة. عند تلك النقطة، كنت شديد الاهتمام والتعلق بصناعة الساعات. بدأت جمع القطع الخاصة بي، وأدركت أن هناك الكثير من القرارات المتأنية التي يتخذها المرء كزبون أو كجامع، وكل شيء يكمن في التفاصيل. وهذه التفاصيل يمكن أن تكون نصاً قصيراً فوق الميناء، أو محاذاة طفيفة لحلقة الفصل (حلقة الدقائق) التي يمكن أن تزعجك. إنها تلك القرارات الصغيرة التي تتخذها كزبون، وهي القرارات التي يجب أن تؤخذ في الاعتبار أثناء عملية التصميم – والعلامة في بدايتها. وهكذا، كان هذا هو نوع المهمة التي وضعتها لنفسي؛ حيث أردت تصميم شيء ممتع – ساعة شقية لعوب يمكن اعتبارها في الوقت نفسه قطعة جادة – وذلك لاستغلال الوقت الفائض من جراء الإغلاق، ولتنمية مهاراتي التصميمية.

عامل التميز

شهدت صناعة الساعات عدداً هائلاً من علامات الساعات التي سجلت في منصة Kickstarter، ولكن للأسف فإن حوالي 90% من هذه العلامات لم تتمكن من الاستمرار بعد السنة الأولى. وما يثير الدهشة بخصوص ستوديو أندردوغ، هو أنه رغم ظهورها على منصة Kickstarter قبل ثلاث سنوات فقط، فإن معدل الطلب والنمو الذي شهدته العلامة منذ ذلك الحين – كان أمراً مذهلاً للغاية. ويشرح بينك الأمر على النحو التالي: أود القول إن أحد العوامل الأكثر تميزاً وأهمية التي أدت إلى نجاح العلامة، هو أنني لم أكن أفكر في الأمر من الناحية التجارية. فلم أضع لنفسي مهمة لتصميم ساعة يمكن بيع أكبر عدد منها، بل كانت مهمتي هي أنني أردت أن أتحدى نفسي في التصميم. وعندما وضعت لنفسي تلك المهمة، لم يكن لدي حتى طموح إلى إطلاق الساعة، فكل ما أردته هو إنجاز مشروع تصميم آملاً أنه إذا كانت الاستجابة جيدة فربما أتمكن من مواصلة تطويره. لكن بالنسبة إليّ، كان الأمر مجرد مشروع تصميم، وبعد أن أكملت بعض العروض التقديمية نشرتها على الإنترنت.

يواصل قائلاً: اعتقدت أن تلك ستكون نهاية المشروع، ولكن بسبب التعليقات الإيجابية على تلك العروض التقديمية، تطور الأمر كعملية تتقدم خطوة خطوة. قررت التعاون مع بعض الموردين الذين كنت أعرفهم. فمن ضمن خبراتي التي اكتسبتها في الصناعة، أنني كنت قد قمت بزيارة كل من هونغ كونغ والصين وسويسرا، فكوّنت شبكة من الموردين. وهكذا، تطور الأمر تدريجياً وعلى مراحل؛ المرحلة الأولى كانت مرحلة فلنقم بصُنع بعض العينات، وعندما أعجبت الناسَ تلك العيناتُ؛ جاءت مرحلة حسناً، لنر إذا كان بإمكاننا عمل حملة تمويل جماعي لإطلاق هذا المنتج. وذلك كان الفارق الأساسي للكيفية التي بدأتُ بها ستوديو أندردوغ مقارنة بغيرها من العلامات الأخرى. فالكثير من العلامات الأخرى كانت لتنظر إلى السوق أولاً، بمعنى كانت لتُجري – على سبيل المثال – بحثاً حول: أيُّ ساعات الغوص هي الأكثر مبيعاً؟ وهل كانت الساعات الأوتوماتيكية ستُباع بشكل أكبر؟ أو الساعات اليدوية التعبئة؟ وما هي ألوان الموانئ؟ وهلم جرا.

ولأنني لم أكن أفكر بشكل تجاري، فقد توصلت إلى فكرة تصميم كرونوغراف ذي عجلة عمودية على شكل ثمرة البطيخ! ولو كنت قد استشرت أي خبير في مجال الأعمال التجارية، لكان قد سألني: وأين هي السوق التي ستبيع فيها ذلك؟، وأعتقد أن ذلك هو ما جعلنا متميزين، وسمح لنا بأن نكون مختلفين، وأدى إلى استمرار نجاحنا. وقد فوجئت للغاية عندما قمت بنشر التصاميم والمحتوى على الإنترنت قبل الإطلاق، فقد سبق أن تلقيت تعليقات إيجابية.. نعم، لكن الأمر مختلف عندما تطلب من الناس تمويلاً جماعياً لعلامة غير موجودة أصلاً. فكان السؤال: هل سيرغب الناس حقاً في استثمار أموالهم التي اكتسبوها بشق الأنفس في مشروع من هذا القبيل؟.

نمو لا يُصدق

يقرّ بينك بأنه فوجئ تماماً بردود الفعل الأولية، وبحقيقة أن منصة Kickstarter حققت الهدف منها بسرعة مذهلة. وقد سمح هذا لبينك بإطلاق العلامة، حيث إن ذلك كان دليلاً على وجود سوق لما كان يفعله بعد أن أعجب الناس. ارتقت الأمور إلى مستوى آخر، فبمجرد أن أصبح المنتج جاهزاً، ولأن بينك كانت لديه شبكة جيدة من الموردين؛ كان الناس يحصلون على ساعاتهم ويرتدونها.. لقد تحسنت الأمور وتطورت بشكل كبير منذ ذلك الحين، ونمت العلامة بسرعة لا تُصدق.

والآن وبعد أن أزاحت ستوديو أندردوغ الستار عن مجموعة ساعاتها Series 2، لم يعد ممكناً شراء أيٍّ من ساعات مجموعة Series 1 من خلال موقع العلامة الإلكتروني. وهذا، كما يعترف بينك؛ بسبب أن الإنتاج لم يواكب الطلب. والخطوة الأولى التي اتخذها بينك للتعامل مع هذه المشكلة هي الصدق والشفافية؛ لذلك لا أتحدث عن المشكلات التي نواجهها فحسب، بل أيضاً عن القيود المتعلقة بالإنتاج. ولن أصف ذلك بأنه مشكلة أو أمر سلبي؛ لأن ذلك يؤكد لعملائنا أننا نقوم بصُنع ساعات بأعلى جودة ممكنة. فنحن نقوم الآن بتجميع ساعاتنا في المملكة المتحدة، وفي الشهر الأول من وجودنا هنا تمكنّا من تجميع أكثر من 1000 ساعة، بينما كنا قبل عام نقوم بتجميع بضع مئات من الساعات فقط. بالتأكيد قمنا بتوسيع الإنتاج، ولكن مع التوسع يتزايد ظهور العلامة واشتهارها، وبالتالي يزداد الطلب على ساعاتها؛ لذا نحن دائماً – ونوعاً ما – نلعب لعبة المسّاكة؛ حيث نحاول اللحاق بالطلب.

نحن شفافون للغاية بشأن ما نقوم به، والطريقة التي نتبعها الآن هي: بدلاً من طرح كمية محدودة من الساعات، نفتح سجل الطلبات لفترة محدودة. وآخر مرة فتحنا فيها نافذة الطلب كانت في شهر مارس، عندما فتحناها لمدة 9 ساعات. حيث كان يمكن لأي شخص التقدّم بطلب شراء في ذلك الوقت، ثم أغلقنا سجل الطلبات بعد تلك الساعات التسع، وكرّسنا كل طاقتنا وجهدنا لتلبية تلك الطلبات، ووضع ساعاتنا على معاصم الناس. ومن المحتمل ألا نعاود فتح نافذة الطلب حتى نهاية هذا العام، حيث قد بيع إنتاجنا للأشهر الستة إلى السبعة المقبلة.

تعتمد مدة نفاد المخزون على كم الطلب الذي تشهده العلامة. ويوضح بينك ذلك قائلاً: لو كنا قد بعنا 100 ساعة في غضون بضعة أسابيع، لكنا قد أصدرنا المنتجات مرة أخرى. ولكننا بعنا ما يقرب من 6000 ساعة عند فتح الطلب لتلك المدة القصيرة في شهر مارس، وهو أمر مذهل؛ فهذا لا يشبه أي شيء رأيناه من قبل، ما يعني أن تركيزنا الكامل الآن ينصب على التجميع وتلبية تلك الطلبات.

تحديات

الآن وبعد أن أصبحت العلامة تقوم بتجميع ساعاتها في المملكة المتحدة، فإن إحدى المشكلات الكبرى التي يواجهها بينك هي النقص في عدد صانعي الساعات المحليين المدربين. يقول: تاريخياً، كانت لندن مركزاً لصناعة الساعات، لكن ذلك لم يعد له وجود. والآن هناك مسعى لإعادة لندن والمملكة المتحدة مرة أخرى إلى مشهد صناعة الساعات. إنه تحدٍ، وهو أمر صعب، حيث كان علينا بصورة أساسية أن ننمي هذه الموهبة بأنفسنا. فأنت إذا أردت تجميع ساعة في سويسرا، على سبيل المثال، ستجد وفرة من الموردين. ولكن إذا فكرت في إمكانية العمل في المملكة المتحدة، وأردت تجميع 1000 ساعة في الشهر، فلا يوجد شيء متاح يساعدك على ذلك. فكان علينا أن ننمي ذلك بأنفسنا. فعندما بدأت ستوديو أندردوغ، كان لدي صانع ساعات واحد؛ هو رافائيل. والذي كان يقوم بتجميع كل ساعاتي تقريباً في غرفة معيشته! والآن قد كوّن فريقاً مؤلفاً من حوالي 14 إلى 16 فرداً، من بينهم 8 إلى 9 أفراد هم جزء من فريق التجميع.

ولا يكمن التحدي فقط في العثور على المواهب المطلوبة، وإنما في تدريب الجميع لتطوير تلك المواهب. وهذا يعني أننا فخورون جداً بالقول إن ساعاتنا تُجمّع في بريطانيا العظمى. وهذه معضلة مثيرة للاهتمام وشيء كنت أفكر فيه؛ وهي أن ملصق صناعة سويسرية يحمل قيمة أكبر بكثير، بينما حقيقة أنه تم التجميع في بريطانيا العظمى لها قيمة أقل؛ إذ ليست لها تلك السمعة الكبيرة، لكن بالنسبة إليّ فإن رسالة جُمّعت في بريطانيا العظمى هي شيء عملنا بجد لتطويره والوصول إليه. إنها شيء نشعر أنه جزء مهم جداً من علامتنا؛ لأنه ليس من السهل تحقيقه؛ إنه تحدٍ، وبالنسبة إلى أولئك الذين يقدّرون مثل هذا التحدي؛ فإنه يُحدث فرقاً.

إبداعات ستوديو أندردوغ متوافرة في المنطقة لدى پرپتويل على الموقع الإلكتروني: perpetuel.com

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى