لقاءات

مون بلان.. التراث والابتكار لبناء المستقبل

لوران لوكامب، المدير العام لقطاعي أدوات الكتابة والساعات في دار المنتجات الفاخرة مون بلان، جلس إلينا للحديث عن إصدارات الدار الجديدة، وكذلك كيف أن كلاً من الابتكار والتراث يلعبان دوراً كبيراً في تطوير ساعات ومواد جديدة.

هل يمكنك في البداية أن تحدثنا عن المكانة الحالية التي وصلت إليها ساعات مون بلان؟
جميع الساعات الجديدة التي أطلقناها في السنوات القليلة الماضية، تعتمد على ثلاثة عناصر رئيسية، تتماشى وتتوافق مع جذور مون بلان. فجميعها تتميز بسرد قصصي رائع، حيث تعبر تعبيراً قوياً عن الفكرة، وابتكار قوي، وقيمة مدركة عالية جداً. وهذه هي الوصفة التي تتبعها ساعات كل من مون بلان ومينيرڨا. وهذا شيء تمكنّا من تحقيقه مع فريقنا. فأنا محظوظ لأن لدي فريقاً قوياً جداً – صانعو الساعات، وقسم التسويق، وقسم الخدمات اللوجستية، وقسم الإنتاج، وما إلى ذلك – في سويسرا. من خلال العمل معاً، نجحنا جميعاً في إعادة تموضع مون بلان ومينيرڨا، وترتيب أوضاعهما، ونتائج ذلك تراها واضحة في السوق.

في العام 2024، جددت مون بلان تأكيد التزامها تجاه مجموعة آيسد سي، وخط ساعات مينرڨا، ومجموعة زيرو أكسجين، ومجموعة جيوسفير؛ فما السبب في ذلك؟ وهل سيتكرر نفس الأمر في 2025؟
إذا أردت أن تكون ناجحاً فأنت بحاجة إلى واجهة تعبر عنك. وجميع هذه المجموعات تمثل أربع واجهات للعلامة. بالنسبة إلى مينيرڨا، إذا كانت لديك ساعة مينرڨا حول معصمك، فمن السهولة تمييزها من النظرة الأولى. فساعات مينيرڨا تمثل الرقي الفائق في صناعة الساعات، فهي ساعة تُصنع يدوياً بالكامل، حيث كل معايرة أو كاليبر يقوم بصُنعه وتجميعه صانع ساعات واحد. وهذا يعني أن الزبون يمكنه أن يلتقي صانع ساعته ويجتمع به. كما أن كل كاليبر تم تطويره في مينيرڨا منذ العام 1902 يمكن إصلاحه – جميعها أي 100 % من هذه المعايرات. وهذه نقطة قوة ساعات مينيرڨا. علاوة على ذلك، فإن منتجاتنا تتميز بأنها معقدة من ناحية التصميم والتقنية.

أما بالنسبة إلى مون بلان فالأمر مثير للاهتمام جداً؛ لأننا أعدنا تموضع وتقديم العلامة بجعل ساعاتها تدور فكرتها حول عالم تسلق الجبال وتستلهم منه، حيث تُعد ساعة جيوسفير زيرو أكسجين التي تنتمي إليه منتجاً مهماً. وفي ما يخص ساعة آيسد سي فهي منتج رئيسي قمنا بإطلاقه، وله قصة جميلة. فميناء ساعة آيسد سي استُوحي تصميمه من أكبر الأنهار الجليدية، التي تشق سطح الكتلة الجبلية لجبل مون بلان.

بينما زيرو أكسجين هي مفهوم تصميمي مخصص لعالم تسلق الجبال. ونحن محظوظون أن لدينا شخصية مؤثرة خاصة بالعلامة، هو رينولد مايسنر. وهو أول متسلق جبال في العالم، نجح في تسلق أعلى القمم الجبلية الأربع عشرة التي يبلغ ارتفاعها ثمانية آلاف متر، من دون استخدام إمدادات الأكسجين في العام 1986. وقد استخدمنا هذا المفهوم في الساعات التي قمنا بتطويرها، حيث قمنا بتصميمها من دون وجود للأكسجين في داخلها. فأصبحنا بذلك أول علامة ساعات في العالم، تطور ساعات من دون وجود أكسجين داخلها، وهو ما كان له تأثير كبير في المنتجات. فعدم الأكسدة يعني عملية تسارع أبطأ، وعدم وجود للرطوبة داخل الساعة، وغير ذلك.

المجموعة الأخرى المهمة جداً هي مجموعة جيوسفير. وساعة جيوسفير تتضمن تعقيدة من تصميم مون بلان، ولكن مهندسي مينرڨا هم من قام بتطويرها. وهي تعقيدة فريدة من نوعها، بحيث يمكن تمييزها من النظرة الأولى. وجميع هذه الخطوط الأربعة من القوة بحيث أصبحت أربع ركائز رئيسية للعلامة. وقد قررنا التركيز بشكل أكبر على هذه المجموعات في السنوات القادمة.

هذا العام قدمت مون بلان مادة جديدة، هي CARBO2 (كاربو2)، هل يمكنك أن تخبرنا المزيد عن هذه المادة؟
هذه المادة سابقة عالمية، ليس بالنسبة إلى صناعة الساعات فحسب. فأنت إذا بحثت في جميع الصناعات الموجودة في العالم اليوم، ستجد أن مادة CARBO2 سابقة عالمية، وابتكار عالمي هو الأول من نوعه، بالنسبة إلى هذه الصناعات جميعاً. فثاني أكسيد الكربون هو غاز، ولكن عندما تراقب الأنهار الجليدية – وهي أحد مصادر إلهام مون بلان – ستلاحظ أن ذوبان الأنهار الجليدية هو بسبب غاز ثاني أكسيد الكربون. وتساءلنا ما إذا كان من الممكن ابتكار ساعة ذات ميناء مستوحى من الأنهار الجليدية وتحتوي على غاز ثاني أكسيد الكربون حول الميناء. لكن كان من المستحيل تنفيذ ذلك؛ لأن ثاني أكسيد الكربون هو غاز. ولكننا تمكنا من تحويل الغاز إلى مادة صلبة، وهي سابقة عالمية لأن العلبة التي قمنا بتطويرها مصنوعة من غاز ثاني أكسيد الكربون إضافة إلى ألياف الكربون، وهذا أمر فريد من نوعه تماماً في عالم صناعة الساعات.

وقد تم اختبار هذه المادة، ولم نجد لها أي آثار مسببة للحساسية، أو أي آثار سلبية أخرى، لكننا اكتشفنا أن شيئاً سحرياً يحدث بمرور الوقت. لا نعرف السبب، ولكن لوحظ أن هذه المادة الجديدة تتغير بمرور الوقت. فهي تبدو شيئاً صلباً وثابتاً غير متحرك، لكنها تتطور؛ فعندما قمنا بتسريع الزمن – لدينا مختبرات لتسريع الزمن – لاحظنا أن اللون الأسود يتحول إلى الرمادي بمرور الوقت، ولا أحد يمكنه تفسير سبب ذلك. فمن المثير للاهتمام أننا قمنا بتطوير مادة جديدة، وأن هذه المادة ستتطور بنفسها.

كيف تم ابتكار مادة CARBO2؟
لا يمكنني مشاركة كل شيء يتعلق بهذا الخصوص؛ إذ إن ذلك من شأنه أن يسهل الأمور على منافسينا. لكن من الناحية التقنية، تُصنع هذه المادة في سويسرا، ونحن نستخدم غاز ثاني أكسيد الكربون السويسري، لذا فهي صناعة سويسرية 100%. ونحن نعمل مع بعض الشركات التي تقوم بإعادة تدوير أشياء محددة، وأثناء عملية إعادة التدوير ينطلق غاز ثاني أكسيد الكربون، فنقوم بالتقاط وجمع غاز ثاني أكسيد الكربون هذا، والذي يتم بعدها مزجه مع شيء قمنا بتطويره، لتحويله إلى مادة تشبه المسحوق. ثم يُخلط هذا المسحوق مع ألياف الكربون، وفي النهاية نحصل على هذه العلبة الجميلة. لقد كان استثماراً ضخماً بالنسبة إلينا لابتكار عنصر التميز القوي هذا، والذي هو إحدى الركائز الرئيسية التي تحدثت عنها سابقاً.

هل يعني هذا الاستثمار الضخم أنه سيكون هناك المزيد من الساعات في المستقبل التي تحتوي على مادة CARBO2؟
نعم، سنستخدم غاز ثاني أكسيد الكربون في عمليات التطوير المقبلة، ولكن ليس كما تم تطويره لهذا الموديل. فنحن نريد أن يكون كل موديل فريداً من ناحية التعقيد، ولا نريد أن يرى جامعو ساعاتنا نفس المنتجات مرة أخرى في العام التالي. نحن نحاول التطور دائماً، ولذا سيكون الأمر مختلفاً. فإذا أنت بدأت جمع الساعات التي يدخل في صنعها غاز ثاني أكسيد الكربون، وتحتوي على مادة CARBO2، ففي العام التالي ستقوم بالتأكيد بجمع ساعة جديدة، لأنها ستحتوي على غاز ثاني أكسيد الكربون لكنه مدمج مع شيء جديد تماماً.

أطلقت مون بلان أيضاً ساعة آيسد سي زيرو أكسجين ديب 4810 والتي تقاوم الماء حتى عمق 4810 أمتار، كيف تم اختبار هذه الساعات؟
أولاً، الساعة لا تقاوم تسرب الماء حتى عمق 4810 أمتار فقط، بل هي في الواقع معتمدة من منظمة ISO للوصول إلى أكثر من 6000 متر في أعماق المحيطات، لأننا كان علينا إضافة نسبة 25% فوق عمق الـ4810 أمتار من أجل الاختبارات. في البداية استفسرنا من موردينا عما إذا كانت هناك إمكانية لاختبار الساعة، فقالوا إنهم لا يملكون المعدات اللازمة لذلك. ثم جربنا التوجه إلى الشركات التي تقوم باختبار الساعات التي تتحمل الظروف القاسية أو فائقة التقنية، فقالوا لنا نفس الشيء. عندها أدركنا أنه يتعين علينا تطوير معداتنا الخاصة. ومن أجل الحصول على شهادة صالحة معترف بها، توجب علينا أن نطلب من شركة خارجية تطوير معدات خصيصاً لنا، وقد تم اختبارها واعتمادها. وبعدها كان علينا العمل مع مختبر خارجي للحصول على شهادة ISO 6425، التي تصادق على أن الساعة مقاومة للماء ليس حتى عمق 4810 أمتار فحسب، بل أيضاً حتى عمق بعد نسبة الـ25% الإضافية؛ أي 6000 متر. وإذا زرت مصنعنا، يمكننا أن نريك هذه الآلة الجديدة، وأن نطلعك على الاختبارات التي قمنا بتطويرها. وبما أن جميع هذه الاختبارات يجب إجراؤها، فلا يمكننا إنتاج سوى بضع مئات من القطع سنوياً.

 صورة الجبل الأبيض (مون بلان) المنفذة بالليزر، والتي قدمتها العلامة قبل بضع سنوات، وأصبحت سمة أيقونية لها، هل فاجأتك ردود أفعال الناس عندما يرونها؟
أود أن يبدأ كل موظف مبيعات شرح مزايا ساعة مون بلان بقلب الساعة على وجهها الأمامي، بدلاً من البدء بالميناء. يجب إدراك وملاحظة الفخامة بسهولة على جانبي الساعة. فما قمنا بتطويره مثير للاهتمام للغاية؛ لأنه يبدو وكأن العلبة قد تم تلوينها. نحن نعمل بتقنية الليزر لإنشاء العمق والتفاصيل المحيطة والألوان على ظهر العلبة. ووجود الألوان على ظهر العلبة مخاطرة كبيرة؛ لأنه بعد بضعة أسابيع من الاستخدام، قد تختفي هذه الألوان تماماً. لأن التعرق، والرطوبة، وظروف الطقس، سيكون لها تأثيرها على هذه الألوان.

ومن خلال استخدام مون بلان عملية التصوير بالليزر هذه، تتمكن من جعل الألوان دائمة لأنها مؤكسدة. والتلوين الحادث يرجع إلى أكسدة التيتانيوم، وقد جربنا نفس العملية مع الفولاذ والذهب والبلاتين، لكن هذه المعادن لم تحقق نفس النتيجة، حيث لا نكون قادرين على الحصول على هذه الألوان الجميلة التي نحصل عليها باستخدام التيتانيوم. وهي عملية تقنية معقدة، لذا في كل مرة نقوم بتنفيذ ظهر علبة جديد، نحتاج إلى بضع مئات من الساعات لإجراء الاختبارات للانتهاء من تصنيعه. لكننا في النهاية، نحصل على شيء مبتكر حقاً.

هل يمكنك إخبارنا ما إذا كانت هناك أي مزايا جمالية أو تقنية تنشأ عن عكس تصميم الحركة في ساعة مون بلان 1858 أنڨيلد مينيرڨا كرونوغراف ليميتد إيديشن؟
قبل ثلاثة أعوام عدت إلى المنزل متأخراً، حيث كانت ابنتي البالغة من العمر ثلاث سنوات تنتظرني لتحصل على قبلة قبل النوم، وكان علي أن أشرح لها أنني تأخرت في المصنع. طلبت مني رؤية ساعتي، وعندما ناولتها إياها، قلبتها على وجهها ونظرت إلى ظهر العلبة قائلة بالفرنسية: أبي، هذا رائع!. في تلك اللحظة، أدركت أن أن الأجزاء الجميلة في ساعة كرونوغراف مينيرڨا كانت مخفية منذ العام 1858. فالجزء الأكثر إبهاراً وروعة، كان دائماً على الجهة الأخرى من العلبة – الجهة التي لم تُر أبداً. في اليوم التالي طلبت من فريقي تطوير حركة معكوسة.

عندما تقوم بقلب الكاليبر على الجهة الأخرى، فإن كل شيء يعمل عكس اتجاه عقارب الساعة. كانت الحركة الكلاسيكية التي يزيد عمرها عن 100 عام تتألف من 252 مكوناً. وعندما قمنا بعكسها، كان علينا تطوير 121 مكوناً إضافياً والتدرب على تجميعها، ليصل العدد الإجمالي للمكونات إلى 273. وأثناء القيام بذلك، أدركنا أننا قمنا بصنع أول ساعة كرونوغراف ذات زر دفع أحادي، في تاريخ صناعة الساعات، توجد جسورها على جهة الميناء، وحصلنا على براءة اختراع عن هذا التصميم. وهذه الساعة هي الأكثر مبيعاً على الإطلاق بالنسبة إلى ساعات مينيرڨا، وهكذا يمكنك أن ترى كيف نستخدم تراثنا لبناء المستقبل.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى