
الاهتمام الدقيق بالتفاصيل – حتى تلك المخفية عن الأنظار – هو ما يرتقي بصناعة الساعات من مجرد حرفة إلى شكل حقيقي من أشكال الفن. منذ تأسيسها، اختارت دار الساعات الراقية بيفير نهجاً فنياً، فيه يتم تأكيد البراعة التقنية، والارتقاء بها من خلال الحرفة اليدوية، والمواد الثمينة، والزخرفة المتقنة. هنا نلقي نظرة أعمق على العملية التي تحوّل هذه الحرفة إلى فن.
أحد الأمور التي تجعل صناعة الساعات مميزة للغاية، هو أن متطلباتها التقنية الأساسية، وتقاليدها الجمالية، يمكن تفسيرها وإعادة ابتكارها بطرق لا نهاية لها. فلا توجد طريقة واحدة فقط لصنع ساعة، ولن نعدم أبداً المهارة والإبداع اللذين يواصلان دفع صناعة الساعات الميكانيكية في القرن الحادي والعشرين، لتكون أقوى من أي وقت مضى. إن ما يميز علامة تجارية للساعات – أو صانع ساعات – عن غيرهما، هي الرؤية الفريدة، والنهج الذي تختار اتباعه، والساعات التي تنبثق من هذا المنظور.
الدار
في العام 2023، وبعد 50 عاماً قضاها في العمل في أرقى مناصب ومستويات صناعة الساعات، قرر جان-كلود بيفير، الشراكة مع ابنه بيير بيفير، للشروع معاً في مغامرة جديدة رائعة. حيث أطلق جامعا الساعات الشغوفان بيفير، وهي نوع جديد من علامات الساعات تبتكر ساعات تتجاوز حدود فن صناعة الساعات، وترسم رؤية لمستقبل ما يمكن أن تقدمه صناعة الساعات السويسرية الراقية.
متحرريْن من القيود المؤسسية المعتادة، قاما بتجميع فريق أحلام من أفضل المختصين، كل منهم خبير ماهر في مجاله المحدد، لصنع ساعات استثنائية حقاً دون أي تنازلات. في قلب هذا النهج يكمن الاهتمام بكل تفصيلة، وزخرفة كل مكون من مكونات الساعة، مما يبرز طبيعة الساعات المصنوعة يدوياً، وطابعها الفني. من الناحية الأسلوبية، تتميز ساعات بيفير بالطراز النيوكلاسيكي (الكلاسيكي الجديد)، حيث تأخذ أفضل ما في تقاليد صناعة الساعات السويسرية، وتعيد تصوره ليناسب القرن الحادي والعشرين.
فلسفة العلامة
يقول جان-كلود بيفير، المؤسس الشريك للعلامة: لقد حاولت صناعة الساعات باستمرار تقليل الزخرفة وتبسيطها إلى الحد الأدنى، مضيفاً: لكن لا يوجد – ولن يكون هناك أبداً – ما يُسمى فن صناعة الساعات من دون زخارف. إنها جزء تاريخي وجوهري وأساسي من فن صنع الساعات. من المكونات البارزة مثل العلبة والميناء، إلى العناصر الأقل وضوحاً مثل التروس الفردية، والجوانب السفلية للجسور، يبرز كل جزء من ساعة بيفير بمفرده باعتباره منحوتة صغيرة. ولكن عند تجميع هذه الأجزاء في ساعة مثل كاريون توربيون أو أوتوماتيك، تصبح هذه التحف الصغيرة أكبر من مجموع أجزائها، مما يحول فعل التحقق من الوقت إلى لحظة للتوقف والتأمل.
ويواصل بيفير: لا يمكن الحصول على الزخرفة المرجوة إلا من خلال السعي نحو الكمال. وفي النهاية هذا هو ما يساهم في إضفاء الروح على صناعة الساعات. فالتشطيبات تضفي على الساعة إحساساً بالخلود والكمال واللانهاية، وهو ما يصنفها في النهاية باعتبارها فناً.
الإبداعات
أول إبداعات الدار، ساعة كاريون توربيون؛ تتميز بتعقيدتي التوربيون ومكرر الدقائق (الساعة الدقاقة)، وتتضمن دوار تعبئة صغرياً، وتحتل مكانة خاصة في قلب مؤسسيْ العلامة. واليوم يشعر الثنائي بالحماسة لوضع أسس مستقبل علامة بيفير، من خلال طرح ساعة أوتوماتيك التي لا يمكن بأي حال اعتبارها ساعة عادية تقتصر على الأساسيات.
العديد من تقنيات التشطيب التي توظفها بيفير، تقليدية في جذورها – مثل التلميع الزاويّ (الشطب) وزخارف بيرلاج وما شابه – لكنها جديدة في طريقة تنفيذها. تتباين الأسطح المطروقة والمصقولة صقلاً تاماً كالمرآة مع بعضها البعض، لتحقيق تأثير بصري أكبر، بينما تضفي الزوايا المنحوتة والمحددة بشكل واضح طابعاً معمارياً على آليات الحركة الخاصة بالعلامة. وفي الأسطر التالية نعرض مزيداً من التفاصيل حول بعض التقنيات التي تجعل كل ساعة من ساعات بيفير عملاً فنياً.
التلميع الزاويّ (صقل الحواف، يُعرف أيضاً بالشطب)
يتم تنفيذها يدوياً بعناية، بمساعدة أدوات صقل المعادن والخشب، حيث يتم تشكيل الحواف المسطحة لكل صفيحة ذهبية وجسر إلى حواف زاويّة ضيقة مصقولة صقلاً لامعاً. تشكل الزوايا الداخلية، حيث تلتقي الخطوط، التحدي الأكبر للحرفيين، وتوفر فرصة لإبراز مهاراتهم، حيث لا يمكن لأي آلة تحقيق نفس النتائج في هذه المساحات الضيقة والدقيقة.
الصقل التام كالمرآة (Blocage poli miroir)
تُعرف هذه التقنية أحياناً أيضاً باسم التلميع الأسود، حيث يتم تنعيم السطح وصقله تماماً، لدرجة تجعله يبدو أسود عند النظر إليه من زوايا معينة، بغض النظر عن لون المادة الأساسية. وهذه العملية شاقة ومجهدة للغاية؛ إذ لا يمكن تنفيذها إلا يدوياً، وتتطلب استخدام أدوات ومركبات كاشطة متعددة، لتحويل السطح بشكل تدريجي من حالته الخشنة إلى شكله النهائي المثالي. والتأثير مذهل بنفس القدر، سواء تم تطبيقها على برغي واحد، أو مطارق آلية مكرر الدقائق، أو إطار مقعر.
التحبيب الدائري (بيرلاج)
الـبيرلاج هو إحدى الزخارف التقليدية في صناعة الساعات، وهو عبارة عن سلسلة من العلامات الدائرية المتداخلة يتم تطبيقها على سطح مستو، مثل الجانب السفلي من الجسر أو صفيحة الحركة. يتم تنفيذ هذه العملية يدوياً، دائرة تلو أخرى، بمساعدة مكبس يدوي صغير. وقد يحتوي مكون واحد على مئات من اللآلئ الفردية، وأي خطأ بسيط يعني أن العملية برمتها يجب أن تبدأ من الصفر. ويمكن رؤية هذه الزخرفة أسفل الدوار الصغري لساعة JCB.001، رغم أن هناك العديد من المكونات الأخرى مزخرفة بتقنية البيرلاج تكون مخفية أسفل موانئ ساعات العلامة.
التشطيب الساتاني الدائري (Cerclage / Satinage circulaire)
سواء كان المكون من الذهب أو البلاتين أو الستانلس ستيل، فإن أسلوب دار بيڨير هو عدم ترك أي سطح من دون معالجته وتشطيبه. وإحدى الطرق لإضفاء جاذبية بصرية على عنصر أكبر حجماً هي توظيف تقنية التحبيب الدائري، حيث يتم خلالها استخدام سطح كاشط بحركة دائرية، مما ينشئ نمطاً يذكّرنا بالحلقات الموجودة على الشجرة. تُبرز هذه التقنية الطابع الطبيعي للمعدن، مع إضافة بعض التباين في الوقت نفسه.
التشطيب الساتاني المستقيم (Traits tirés)
هذه التقنية مشابهة لتقنية التحبيب الدائري، ولكن مع تنفيذ التشطيب بخطوط مستقيمة بدلاً من الخطوط الدائرية. يمكن تنفيذ هذا التشطيب بمستويات متفاوتة من العمق، حيث تضفي التشطيبات الساتانية الخفيفة ملمساً دقيقاً، بينما توفر التشطيبات الساتانية العميقة جودة ملمس أكثر ثراء. وفي كلتا الحالتين، تعمل هذه الزخرفة على إطالة الخطوط البصرية، مما يضيف ديناميكية إلى عناصر مثل عروات العلبة وجسور التوربيون. وتكون هذه التقنية مؤثرة بشكل خاص، عندما يتم الدمج بين استخدامها واستخدام تقنية الصقل التام كالمرآة، لخلق لحظات من التباين والمفاجأة.
السحب (Etirage)
يُعد تنعيم الأجناب باستخدام الكابرون تقنية زخرفة دقيقة للغاية في صناعة الساعات. وتتضمن فرك أجناب المكون باستخدام الكابرون، وهو حجر كاشط صغير أو أداة متخصصة، للحصول على سطح ناعم تماماً يشبه الساتان. وتتطلب هذه العملية دقة وحرفية استثنائيتين، مما يعزز جماليات وتشطيبات الساعات الراقية.