تعود علامة “إم بي آند إف”، التي تشتهر بتمردها على كل ما هو مألوف في صناعة الساعات الراقية، لتتصدر مشهد هذه الصناعة مرة أخرى، وهذه المرة من خلال إبداع جديد؛ هو ساعة “ليغاسي ماشين فلاينغ تي” المخصصة للنساء. هنا نحاور ماكسيميليان بوسير، مؤسس ماركة صناعة آلات قياس الزمن الفاخرة، ونعرض للقارئ إطلالة من خلف الكواليس على عمليات تفكيره الإبداعي ومصادر إلهامه..
هل يمكنك أن تحدثنا قليلاً عن أحدث إبداعاتك آلة قياس الزمن “ليغاسي ماشين فلاينغ تي”، والتي تعد أول ساعة تبدعها خصيصاً للنساء؟
لمدة 14 عاماً، كنت أبدع لنفسي، فالمقصد من تأسيس “إم بي آند إف” كان هو أن أبدع من أجل نفسي. ثم قبل نحو أربعة أعوام، أدركت أنني ما كنت لأكون ما أنا عليه من دون وجود الأشخاص الذين أحبهم. عائلتي صغيرة للغاية؛ تضم أمي وزوجتي وابنتي، وحالياً بعد أن توفيت أمي لدي ابنة ثانية، ليكون بذلك في حياتي ثلاث نساء. وقد قررت الخروج من المنطقة الإبداعية الآمنة، حيث أقوم بإبداع ما أحب، لأبدع شيئاً للنساء الموجودات في حياتي، وكان ذلك أمراً صعباً للغاية لأنني كنت قد نسيت فكرة كيفية الإبداع من أجل شخص آخر، فضلاً عن أنني لم تكن لدي أي فكرة عن كيفية الإبداع من أجل امرأة.
ولكنك عملت سابقاً مع دار “هاري ونستون”؟
كان إبداع ساعات نسائية أثناء عملي في “هاري ونستون” يشكل تجربة صعبة بالنسبة إلي، وهذا هو السبب في أن “هاري ونستون” أثناء الفترة التي توليت فيها منصبي هناك، ركزت كثيراً على تعقيدات الساعات الرجالية؛ لأن هذه هي المنطقة التي أشعر فيها بالراحة أكثر؛ حيث إنني لا أشعر بالراحة كثيراً بالعمل على الساعات النسائية. وبعد ذلك أدركت أمراً مهماً، وهو أنني لا ينبغي لي أن أبدع شيئاً لأنني أعتقد أنه سيعجب المرأة، وإنما أن أقوم بإبداع شيء لنفسي ولكن أجسد فيه كل ما أحبه في النساء الموجودات في حياتي.
ودائماً ما تدهشني المرأتان الموجودتان في حياتي، ولذا كان يجب أن يكون المنتج فائق الإدهاش، فكلاهما امرأة فائقة النشاط والحيوية وفي الوقت نفسه بالغة الأناقة؛ ولذا أردت إبداع شيء مليء بالطاقة وفي الوقت نفسه شديد الأناقة. والفكرة كلها من تصميم قبة الصفير التي توجد تحتها إشارات الحياة، كانت لأن المرأة تحمل داخلها عناصر الحياة.
وبعد ذلك حاولت إبداع حركة أنيقة، وهذا ليس بالأمر السهل لأنها يجب أن تكون منحوتة ميكانيكية ثلاثية الأبعاد. وقد أبدعنا الحركة بشكل رأسي مع استبعاد جميع الجسور، أو على الأقل، جعلك تعتقد أنه لم يعد هناك جسور. وقد احتفظنا فقط بالأجزاء الرقيقة من الحركة، وهذا هو السبب في أنها حركة توربيون محلق (سريع الحركة). ولم يكن ذلك لأنني أردت توربيون محلقاً، ولكن إذا لم أرد توربيون محلقاً كان سيكون لدينا جسراً أعلى التصميم كله.
في السنوات الثلاث الماضية كانت ابنتي ترغب في أن تكون راقصة باليه، وكان لديها تلك الصناديق الصغيرة التي عندما تفتحها تجد راقصة بالية صغيرة تدور داخل الصندوق، ولهذا فإن التوربيون المحلق والذي يدور في مكانه المرتفع؛ يشبه إلى حد ما راقصات الباليه. وقد قمت بوضع عرض الزمن بهذا الشكل لأن هذا هدية لزوجتي، فقد قمت بوضع الميناء تماماً عند موضع الساعة 7، حتى تتمكن وحدها من قراءة الزمن، حيث يمكن لأي أحد آخر أن يرى التصميم المنحوت ولكنه لا يستطيع رؤية الزمن. وعلى ظهر العلبة يوجد شكل الشمس؛ ذلك أنني بقدر ما أعتقد أن حياة نسائي تدور حولي، فإن الحقيقة هي أن حياتي أنا هي التي تدور حول النساء الموجودات في حياتي؛ فهن شمس حياتي على الحقيقة!
ومنذ متى وأنت تعمل على هذه الساعة؟
عملت على هذه الساعة لمدة نحو 3 أعوام ونصف العام. وتعد “إم بي آند إف” بمثابة علاجي النفسي؛ فقد كنت غاضباً جداً للكثير من الأسباب لمدة 10 أعوام. ومنذ نحو أربعة أعوام بدأت أشعر أنني أكثر اتزاناً، ووجود عائلتك حولك يساعد أيضاً في هذا الخصوص. وقد شعرت وكأنني أقوم بمخاطرة بإبداع هذه الساعة. وهناك عامل آخر هو أن في حياتي دورات إبداعية مدة كل منها سبع سنوات؛ حيث عملت لمدة سبع سنوات في دار “هاري ونستون”، ومن بعدها سبع سنوات بدأت فيها العمل في “إم بي آند إف”، وخلال تلك السنوات كنت أقوم بتصنيع آلات قياس الزمن “هورولوجيكال ماشين”؛ المعروفة اختصاراً باسم “إتش إم”، وبعدها في العام السابع لتأسيس العلامة، أطلقت مجموعة “ليغاسي ماشين”، وتم افتتاح أولى صالات عرض “إم بي آند إف ماد غاليري”، ما فتح الباب أمام الإبداعات المشتركة. وقد احتجت إلى القيام بمخاطرة مرة أخرى، وكانت تلك المخاطرة تتمثل في إبداع ساعة للنساء؛ لأن مثل هذا الإبداع من شأنه أن يخرجني من منطقتي الإبداعية الآمنة. ولدي بالفعل مخاطرات أخرى قيد الإعداد، ولكن هذا سيكون في الأعوام السبعة المقبلة، أي بعد مرور 14 عاماً على تأسيس “إم بي آند إف”.
وهل هذه الساعة ذات إصدار محدود؟
ستكون محدودة بالنسبة إلى عدد الحركات التي نقوم بصنعها؛ حيث نقوم بتصنيع 35 حركة في السنة، وهذا أمر غير منطقي من الناحية الاقتصادية لكنه يجعلني سعيداً وفخوراً.
هل أنت فخور بهذه الساعة نظراً إلى حقيقة أن “إم بي آند إف” هي علامة ساعات رجالية بشكل أساسي؟
أنا فخور جداً بهذه الساعة، ولا أعرف ما إذا كان الناس سيحبونها ولكنني فخور بها، وهذا أمر مهم. وأعتقد أننا قمنا بإبداع شيء لم يسبق له مثيل من قبل، وفي الوقت نفسه مذهل ورقيق. ومرة أخرى، وفي نهاية الأمر، أنا أبدع لنفسي وأعتقد أن هذه الساعة إبداع جميل.
وكيف كانت ردود أفعال وكلاء التجزئة الذين عرضت عليهم هذه الساعة؟
وكلاء التجزئة أحبوها، وكانت التغطية الصحفية مثيرة لأننا بدأنا بمقابلة المجلات النسائية قبل الإطلاق. مع العلم أننا لم نتحدث مطلقاً إلى الصحافة النسائية من قبل؛ فلم تكن هناك حاجة لمقابلة مجلات مثل “ڨوغ” و”ماري كلير” و”تاتلر”؛ لأننا لم يسبق لنا تصنيع ساعات نسائية، وبالتالي لم تكن هذه المجلات مهتمة بما نقوم به. وقد قمنا بتوظيف وكالات للعلاقات العامة في باريس ولندن، وقد ذهبت هناك لإجراء المقابلات، وكانت ردود أفعال هذه المجلات رائعة، فبداية هم لم يسمعوا بنا من قبل، ولذا كان علينا إخبارهم بقصتنا، وكيف أنه بعد 14 عاماً هذا هو ما قررت أن أقوم بإصداره، وقد أذهلت قصتنا هذه المجلات جميعاً.
وأحد ردود الأفعال الجميلة التي تلقيتها كانت من رئيسة تحرير مجلة “فوغ” باريس، والتي قالت: “أنا سعيدة للغاية أن رجلاً يقوم بإبداع ساعة من أجل امرأة، من دون أن يضع بها حزاماً باللون الوردي، وأشكال فراشات وزهور”، فقلت لها: “إذا كنت قد فعلت ذلك وأعطيتها لزوجتي، كانت لتجعلني آكلها في وجبة الإفطار”، فهي ليست تلك المرأة التي تريد أشكال الأزهار والفراشات على الساعة؛ إذ لم تكن لتقوم بلمسها مطلقاً. فأنا متأثر بالنساء الموجودات في حياتي، وقد قمت بإبداع ما أعتقد أنه يمثلهن.. نعم معظم النساء تعجبهن الفراشات والأزهار ولكن ليس نسائي.
كيف جاءتك فكرة إبداع “ميدوزا”، والذي أطلقته لأول مرة في “الصالون الدولي للساعات الراقية” SIHH 2019، وهو إبداع أكثر عضوية وأقل ميكانيكية من إبداعاتك الأخرى؟
من المثير للاهتمام أن هذا الإبداع لم يكن فكرتي، حيث قمت بالفعل بتصنيع قنديل للبحر ميكانيكي في إبداع “أكوابود”، والتي استُلهم تصميمها من حادثة إصابة زوجتي بلسعة أحد قناديل البحر. أما “ميدوزا” فهو في الحقيقة فكرة فابريس غونيه، وهو مصمم ساعات مشهور أعرفه منذ أعوام، أراد أن يعرض علي مشروعاً، رغم أنني لا أشاهد مطلقاً مشروعات مقدمة من طرف ثالث، ولكنني رأيته فقط لأنه قال إنه مشروع لساعة مكتب وليس ساعة يد. وكان فابريس قد شاهد بالفعل “أكوابود”، وتساءل ما إذا كنا لم نتمكن من صنع ساعة مكتب على شكل قنديل البحر. وبهذا فإن “ميدوزا” هي فكرته بالفعل، وقد قمنا فقط بإجراء قليل من التعديلات على تصميمه، والذي عملنا عليه بالتعاون مع “ليبيه” حتى أنجزناه.
وكانت المشكلة الكبرى في الواقع هي تحويل هذه الفكرة إلى حقيقة من خلال استخدام الزجاج، وهو زجاج “مورانو”، وبداية كان علينا أن نجد متخصصاً في تشكيل “مورانو” يقبل القيام بعمل بمثل هذا التعقيد. ولم يكن لدينا أي تسامح أو تساهل بخصوص التصميم؛ فجمال هذا الإبداع يكمن في أن كل قبة منفردة تختلف تماماً من حيث اللون والشكل وغير ذلك. فشركات تشكيل الزجاج بالنفخ يتساهلون في القياس حتى 1 سنتميتر، في حين أننا في صناعة الساعات نتعامل مع أعشار المليمترات.
وقد بدأت شركة تشكيل الزجاج في العمل على هذا التصميم باستخدام زجاج “مورانو”، وكان أفراد من “ليبيه” يذهبون إلى هناك كل ستة أسابيع لتفقد عملهم. وأكثر من 50 في المئة مما تم تشكيله تم التخلص منه، في حين أن نسبة 50 في المئة التي شكلت الأجزاء التي تم قطعها، كانت جميعها بأحجام وأشكال مختلفة. ومن ثم قامت “ليبيه” بحمل هذه الأجزاء إلى مصنعها، حيث تم قياس كل جزء منها وصنع جميع الأجزاء المعدنية التي تحمل القبة الزجاجية. وعادة ما تُصنع القبة لتتناسب مع الأجزاء المعدنية، ولكن لأن هذا الإبداع يعتمد بشكل كامل على المهارة الحرفية، فقد كان الأمر معكوساً. وفي هذا الإبداع، يجب أن تكون قادراً على حمل القطعة من الجزء الأعلى، الذي يحمل بدوره الزجاج. ولأنها ساعة يتم تعليقها في السقف، فقد احتاج الأمر إلى أن يتم ضبطها بشكل مثالي؛ ولهذا كان على “ليبيه” في الواقع تصنيع كل نظام ربط منفرد بشكل خاص لكل قبة.
أين ترى مستقبل صالة عرض “ماد غاليري”؟
افتتحنا للتو الصالة الرابعة في هونغ كونغ، ولدينا خطط لافتتاح صالة في لندن، وكان من المفترض أن يكون ذلك في هذا العام، ولكن تم تأجيله، وإذا سارت الأمور على ما يرام سيكون الافتتاح في 2020. وبالنسبة إلى “ماد غاليري” فإن الأمر كله يدور حول إيجاد الشركاء المناسبين، وتعد “ماد غاليري” بمثابة أحد جهود أو أعمال الحب؛ فإذا كنت تريد أن تكسب مالاً فلا تفتتح صالة عرض “ماد غاليري”، لكن إذا كنت تريد أن يكون لديك شيء رائع يمكنك أن تفخر به، ويجعل أصدقاءك يدهشون لروعته، عندها قم بافتتاح صالة عرض “ماد غاليري”. لكن إذا كنت تريد أن يكون لديك مشروعاً تجارياً، فعليك معرفة أنها ليست مشروعاً تجارياً. ولذلك عليّ إيجاد الشركاء المناسبين، بشرط ألا يكون أحد منهم بحاجة إلى المال، ولا يقصدون الكسب المالي أيضاً.
وهل يمكنك إيجاد الفنانين لتملأ “ماد غاليري” بأعمالهم؟
هذه هي مشكلتي الثانية، فالمشكلة الأولى هي الشركاء والثانية هي الفنانين. ويشهد فرع “ماد غاليري” في دبي نشاطاً كبيراً؛ فعلى مدى الأشهر الثلاثة الأخيرة، كان عدد القطع الفنية التي بيعت لا يصدق، لدرجة أن نصف دخل صالة عرض “ماد غاليري” في دبي من الأعمال الفنية. فالقطع الفنية تشكل 20-25 في المئة من إجمالي المبيعات. وقد ذهبت أمس إلى صالة عرض دبي، ووجدت أنهم قد باعوا قطعتين من مجموعة “غابي ورمان” أثناء عطلة نهاية الأسبوع، ويحتاجون إلى قطع لتعويض ما تم بيعه.
وتظل مشكلتي الكبرى هي إيجاد الفنانين، فأنا لا أحتاج فقط إلى إيجاد مجرد فنانين، ولكن فنانين تتناغم أعمالهم مع مفهوم “ماد غاليري”، وهؤلاء لا يوجد سوى عدد قليل منهم، ويقومون بإبداع كميات قليلة من العمل الفني لأنهم ليسوا “فنانين تجاريين”؛ أي أناس لديهم ورش ولديهم أشخاص يعملون لحسابهم. ومثل هؤلاء لا توجد سوق لما يقومون بعمله، ولا توجد صالة عرض مهتمة بعرض أعمالهم، فمثل هؤلاء الفنانين قاموا بالعمل بمفردهم، أحياناً لمدة 15 أو 20 عاماً، وليست لديهم أي فكرة عن كيفية تنمية إنتاجهم.
عليّ فقط إيجاد فنانين آخرين، ونموذج العمل نفسه يعني أنه ستكون هناك قطع محدودة للغاية، وهذا في الواقع ما يناسب “إم بي آند إف” نفسها بشكل جيد جداً، لأن الناس الذين يذهبون إلى صالة عرض “ماد غاليري” من تلك النوعية من الناس الذين يحبون نوعاً محدداً من الفن، والذين قد يشترون إحدى آلات قياس الزمن “إتش إم”. وأحد الأسباب وراء قيامنا بافتتاح “ماد غاليري” هو لأنها تشبه آلة لفك الشيفرة، فإذا فهمت الفنان الذي نقوم بعرض أعماله، فربما ستفهم ما نحاول فعله. فالخطوة الأولى لشراء أحد إبداعات “إم بي آند إف”، قد تكون شراء حشرة ميكانيكية من مجموعة “غابي ورمان”، أو ساعة مكتب “ميدوزا”، أو لوحة حركية من إبداع ڨيليم فان ڨيخل. وهناك أناس يأتون إلى “ماد غاليري” فقط من أجل “إم بي آند إف”، وأناس يأتون من أجل الفن، وآخرون ليست لديهم أي فكرة عن محتويات الصالة، لكنهم يدخلون بعد رؤية أشياء رائعة في واجهة العرض ويسألون “ما هذا؟”، وعادة ما يغادر هؤلاء “ماد غاليري” تعلو وجوههم ابتسامة، وهو الجزء الجميل في الأمر.