أثناء زيارتنا الأخيرة إلى مصنع دار “بوفيه 1822” العريقة في “شاتو دو موتييه”، أتيحت لنا الفرصة للقاء باسكال رافي، مالك العلامة ومديرها العام. هنا في الأسطر التالية نعرض للقارئ مقتطفات من حديثنا معه، والذي غطى موضوعات متنوعة؛ مثل نمو “بوفيه 1822” كماركة تتميز ببراعتها الفنية الفائقة، وكذلك مصدر إلهام سلسلة الساعات “الفلكية”.. وغيرها من الموضوعات.
منذ أن قمت بالاستحواذ على العلامة وهي تواصل نموها من ناحية الرؤية والجودة والبراعة الفنية.. كيف تمكنت من تحقيق هذا؟
منذ أن كان عمري 13 عاماً، تعلمت من جدي أموراً عن الفن بشكل عام، وفن صناعة الساعات بشكل خاص. فكبرت وأنا مدرك أنه بالنسبة إلى الفرنسيين فإن الساعة ليست فقط لضبط الوقت، ولكنها شيء يتعلق بحماية تراثك وقيمك وتقاليدك. وفي صناعة الساعات فإن الفن هو علم الميكانيكا الذي يتم استثماره بشكل جميل، ليكون له معنى وقيمة ثابتة على مر السنوات. وإنه لشرف كبير أن أكون مالكاً لعلامة مثل “بوفيه”، التي يصل عمرها إلى ما يقرب قرنين من الزمان، وتتميز بمثل هذا العمق والبراعة الفنية التي اكتسبتها بمرور السنين، مع إتقان العديد من التقنيات؛ مثل النقش والطلاء بالمينا والزخرفة المضفرة وترصيع اللؤلؤ والأحجار الخاصة، وهذا كله ضمن ديناميكية وتعقيد حركة الساعة، وهو عمل يتطلب ما بين ثلاث إلى ست سنوات من العمل الدؤوب. لدي في الدار حوالي 100 حرفي لمساعدتي في التعبير عن صناعة الساعات بأرقى صورة، من خلال مجموعتين؛ إحدى المجموعتين شديدة التحفظ وتتميز علبها بتصميم القوس، والأخرى تتميز العلب بتصميم منحدر الكتابة؛ وهذه المجموعة أكثر انفتاحاً على المستقبل؛ وكلتاهما إبداعات مبتكرة تجسد احتفالاً بالمهارات الحرفية في صناعة الساعات.
هل أنت سعيد بالمكانة التي وصلت إليها “بوفيه” حالياً؟
من ناحية فلسفة الدار وأساسيات عملها وتعليمها وقيمها؛ أستطيع القول إنني سعيد للغاية. فأنا راضٍ عن حضور “بوفيه” حول العالم، لكنني غير راضٍ عن أداء بعض الموزعين ضمن شبكتنا، حيث إن هؤلاء غير قادرين على تقدير وفهم المهارات والبراعة الفنية وسنوات العمل الدؤوب والاستثمار، وهي الأمور التي تعد ساعاتنا نتيجة لها. وقد كان من الصعب إنشاء مرفقين بعد عشرة أعوام فقط؛ حيث إننا نصنع موانئ ساعاتنا وحركاتها، وجميع القطع الأخرى بما فيها الزنبرك الشعري ضمن الحركة. وحالياً أنتوي تخصيص الأعوام العشرة المقبلة لتكوين شبكة توزيع مثالية، تتكون من أشخاص يستطيعون فهم وتقدير واحترام المدة التي يستغرقها تصنيع إحدى ساعات “بوفيه”.
ما مدى صعوبة إبداع الساعات الفريدة من نوعها التي تصدرها “بوفيه” كل عام؟
ما يستغرق وقتاً طويلاً غالباً هو إلهام فكرة الساعة. في العام 2014، في ساحة القلعة “شاتو”، ظهرت فكرة خمس ساعات من سلسلة الساعات الفلكية؛ هي ساعات “ريسيتال 18 شوتنغ ستار”، و”ريسيتال 20 أستريوم”، و”ديمييه ريسيتال 22 غراند ريسيتال”، و”ريسيتال 28” للعام 2021، والساعة الخامسة خطرت لي فكرتها في الليلة نفسها. كانت الرسالة بالنسبة إليّ هي النظر في السماء، وفهم كيف كانت الأرض ستبدو عندما تراها من السماء، وهذا المعنى أصبح هو ساعة “شوتنغ ستار”. أحياناً تأتي الأفكار مجتمعة في ليلة واحدة، وأحياناً يستغرق الأمر عشر سنوات. وهكذا هو الإلهام جميل وسحري.
أما الساعة الثانية فتُظهر كيف كانت الأرض ستبدو من الكون الفسيح، في حين تُظهر الساعة الثالثة العناصر الثلاثة: الشمس والقمر والأرض، ومحاولة لحماية الأرض. ولطالما حلمت ولمدة عشر سنوات على الأقل، بالساعة الرابعة وهي ساعة العام 2021. وليست المشكلة بالنسبة إلى هذه الساعة هي خصائصها الميكانيكية فقط، ولكن تكمن المشكلة في الحفاظ على نفس عناصر التصميم مثل تلك التي تُوجد في ساعتي “أستريوم” و”غراند ريسيتال”، مع السمات الإضافية للعام 2021؛ كل هذا داخل نفس العلبة. في 2021، ستكون دار “بوفيه” قادرة على إطلاق ساعة فلكية لم تقم دار أخرى على الإطلاق بتصنيع مثلها حتى الآن. بينما ستصدر الساعة الأخيرة في العام 2022؛ لتحتفل من خلال ساعة ذات إصدار فريد، بسمات وخصائص الساعات الأربع السابقة لها في السلسلة، وفي الوقت نفسه ستحتفل بـ200 عام من تراث صناعة الساعات الذي تتمتع به دار “بوفيه”.
هل كان قراراً صائباً إزاحة الستار عن هذه السلسلة، التي تتكون من ساعتي “شوتنغ ستار” و”أستريوم”؛ عاماً بعد آخر؟
حيث إننا نقوم بتصنيع 60 حركة فقط، كل عام، ولا نزيد على هذا ولو حتى قطعة واحدة؛ فإنني لا أعتقد أن ذلك كان خطأ. ولأن إبداع 60 ساعة يستغرق منا من 12 إلى 24 شهراً؛ فإن هذا يعني أن كل ساعة فلكية تتسلم عصا السباق من الساعة السابقة لها. وبالفعل تم اتخاذ القرار بإنهاء رحلة الساعات الفلكية في العام 2022؛ ففي العام 2022 سنزيح الستار عن الساعة الخامسة والأخيرة من سلسلة ساعاتنا الفلكية.
هذا خبر محزن حقاً..
نعم، لكن يمكنك أن تكون متأكداً أن هناك المزيد سيأتي. فحتى العام 2022، فإن أفكار – تصميم – ساعاتنا واضحة تماماً. وتحتاج الساعة التي سنقوم بإطلاقها في 2021 إلى 24 شهراً من التشكيل المثالي؛ حيث إن الفنون الزخرفية التي ستعرضها ساعة العام 2021، هي أكثر تعقيداً من تلك التي تتضمنها ساعات “أستريوم” و”غراند ريسيتال” و”شوتنغ ستار”. فالتوقيت هو جوهر الأمر، ونحن سنطلق ساعة العام 2021 بعد عامين من إطلاق “غراند ريسيتال” وليس بعد عام واحد. وأعتقد أنه ليست لدينا مشكلة مع هذا الجدول الزمني.
ما مدى أهمية قولك: “تعبير جميل عن الزمن” بالنسبة إلى دار “بوفيه”؟
هذا القول هو فلسفة “بوفيه”؛ فالأناقة هي أسلوب حياة؛ ولذلك فإن أناقة حياتك تنعكس على معصمك. الكمية ليست هي كل شيء؛ بل مزيج مقدّر بدقة من الألوان، والميكانيكا، والتصميم، والنقش، أو طريقة ترصيع الحجر الكريم عند الحاجة، واتحادها جميعاً بتناغم؛ كل هذه عندما توجد فوق المعصم تمدّ الرجل الأنيق بمتعة شخصية لا توصف.
لماذا تعتبر “بوفيه” أن تصنيع وحدات الزنبرك الشعري بالطريقة التقليدية أمر مهم؟
لدينا هنا ساعات من القرن التاسع عشر – الأعوام 1845 و1837 و1871، وما إلى ذلك – وجميعها لا تزال تعمل بشكل جميل إذا قمت بتعبئتها. وحدات الزنبرك الشعري الخاصة بنا تقليدية، لأنها تتوافق مع الدار وفلسفتها، إلا أننا أيضاً نستخدم مواد جديدة في جوانب أخرى من الساعة. وحيث إننا قادرون على إبداع أدوات جميلة لقياس الزمن باستخدام وحدات الزنبرك الشعري الخاصة بنا، فنحن سعداء بها.
ما هي التحديات التي تواجه “بوفيه” في السيناريو العالمي اليوم؟
فلسفة العلامة نفسها هي التحدي الأكبر الذي يواجهنا، فمادامت فلسفتنا المتمثلة في عدم “بيع روحنا” – أي التنازل عن روح العلامة – لا تتغير، فسنواجه تحديات. لكن مادمنا نواصل إبداع ساعات فريدة من نوعها ذات ذوق جيد، فسنكون محميين، لكن هذا لن يكون سهلاً. كل يوم في عالمنا “المعولم” يمثل تحدياً، فجميعنا اليوم مرتبطون ببعضنا البعض، ولذلك أنت تحتاج إلى العولمة، إلا أنك أيضاً تحتاج إلى التفرد. وهذا التناقضان يغذيان بعضهما بعضاً؛ فعندما أحتاج إلى شطائر أذهب غالباً إلى السوبر ماركت لشرائها، لكن عندما أحتاج إلى عشاء لذيذ، أقوم بطهيه بنفسي. وبالمثل هذا ما يحدث في الحياة؛ فأنت تواجه تحديات لكنها تحفزك على الأداء بشكل أفضل، مع الحفاظ في الوقت نفسه على نفس الجذور والمبادئ والتقاليد.
لا تزال “بوفيه” تعمل – وفقاً لكلامك – من خلال “الاحترام التام للتقاليد”.. هل يمكن أن يتغير هذا؟
لا، لن يتغير هذا أبداً مادمت حياً؛ حيث إنني لا أعرف كيف أقوم بتغيير هذا. أنا لست مهيأ للإنتاج الضخم؛ إذ إنك يجب أن تكون موهوباً جداً للتعبير عن إبداعاتك بإنتاج ضخم. ولا أعتقد أن دار “بوفيه” ستتبنى على الإطلاق هذا النموذج من العمل. أنا محظوظ جداً لأن لدي فرق عمل حسّاسة تجاه الجمال، وهؤلاء مدربون على الفنون الجميلة وأيضاً يحبون بشغف دار “بوفيه” ومثلها وقيمها.
لقد تطلب الأمر مني عشر سنوات لإنشاء كل هذه المرافق في مصنعنا في “شاتو دو موتييه”، ولا أعتقد أنه توجد أي دار مستقلة أخرى لديها هذا العدد الكبير من المواهب؛ التي تتوزع على 43 مجموعة مهارات مختلفة. والآن، فإنه بالنسبة إليّ حان الوقت لأوجه عنايتي إلى شبكة توزيعنا، لتحترم وتقدّر مهارات صناعة الساعات التي نعبر عنها في ساعاتنا.
وكيف تخطط للتعامل مع مشكلة توزيع ساعات “بوفيه”؟
وجدنا بعد إجراء دراسة متعمقة، أن لدينا 60 نقطة للبيع في جميع أنحاء العالم، تمثلنا بطريقة مناسبة. وفي الأماكن الأخرى، سنقوم بافتتاح متاجرنا مع شركاء يفهموننا. ستكون لدينا شبكة لا تستند إلى الكمية بل إلى الجودة وإلى قدرتنا التصنيعية، والتي تبلغ حوالي 1000-1200 ساعة في السنة. ونحن سعداء بهذه الكمية لأنه لا يمكن الحفاظ على هذا المستوى من البراعة الفنية والجودة، إذا كنا نقوم بتصنيع 4000 ساعة في السنة.
وأين ستقومون بافتتاح متجركم التالي؟
لدينا متاجر في طوكيو وموسكو، وأعتقد أن آسيا تستحق متجرين إضافيين، وكذلك الشرق الأوسط. كذلك يجب أن نكون حاضرين في أوروبا، وإذا حصلنا على شريك جيد بالفعل يفهمنا، فسيكون هناك متجر في الولايات المتحدة. وسنستمع إلى شركائنا – ونحن لدينا عدد من الشركاء الجيدين بالفعل في الشرق الأوسط – وسنعمل معهم لتطوير زبائننا.
كيف كانت ردود الفعل على الساعات النسائية التي ركزت عليها “بوفيه” مؤخراً؟
لطالما كنت أبحث عن ساعة مثالية للنساء، لكننا وجدنا توازناً جميلاً في عامي 2014 و2019 فقط؛ وذلك في ساعة “مس أودري” ذات العلبة المقوسة، وساعة “ريسيتال 23 مون فيز” للنساء؛ ذات تصميم منحدر الكتابة، حيث جميع المكونات منقوشة يدوياً، وتتضمن آلية عرض أطوار القمر رائعة؛ وجميع هذه المزايا تستغرق وقتاً. وسنقوم بزيادة إصداراتنا النسائية بشكل تدريجي.
هل تجد أن إبداع ساعة نسائية أكثر صعوبة من إبداع ساعة رجالية؟
تطلب الأمر منا أكثر من عشر سنوات لإيجاد التوازن الجميل لإبداع ساعة “ريسيتال 23”. وبالنسبة إلى أي ساعة، فأنا أقوم أولاً بتصورها في ذهني، ومن ثمّ مع فريق الحرفيين في الدار، لنقوم بالتطوير وتعديل التصميم حتى نحصل على النتيجة النهائية. ونحن نقوم بعملنا بشغف، مع الاهتمام بأدق التفاصيل؛ وكما هو الحال عند تصميم الأزياء الراقية، نقوم بالعمل وإعادة العمل مرات عدة للحصول على النتيجة المطلوبة بالشكل السليم تماماً.